317
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

وقيل بالتفصيل، وهو: تقديم قول الجارح فيما إذا [ كان] لايلزم تكذيب أحدهما، فيُقدّم الجارح لِما مرّ، وإلاّ فيما إذا كان بينهما التباين الكلّيّ والتعارض بينهما تعارض النصَّيْن فلابُدّ [ من الرجوع] إلى المرجّحات، كالكثرة والأعدليّة والأورعيّة ونحوها ممّا يفيد الظنّ، ومع عدمها لابُدّ من التوقّف؛ لأنّهما دليلان تعارضا ولا مرجّح لأحدهما، فلابُدّ من التوقّف .
والتحقيق يقتضي الرجوع إلى المرجّحات في تعارض النصَّيْن اللذَيْن كانا من قبيل المتضايفَيْن المتداعيَيْن بحيث يلزم من [ تقديم] أحدهما تكذب الآخَر وردّ قوله، وإلاّ فيتوقّف .
وتقديم قول المعدِّل في الحقيقة سالم عن المعارض، كما إذا كانا ظاهرَيْن، كأن يقول المعدِّل: كان زيد فاعلاً للخير في كلّ وقتٍ، وقال الجارح: ما رأيت منه خيرا، فيحصل الظنّ بالوثاقة .
ويقدّم قول الجارح لو كان نصّا والتعديل ظاهرا، ووجهه ظاهر .
وهذا ظاهر، إنّما الخلاف في أنّ التعديل والجرح هل [ هما من] باب الظنّ، أو الرواية، أو من باب الشهادة، وقد عرفت أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة، والمعتمد هو الأوّل، وأمّا الثاني والثالث فقد مرّ بطلانهما رأسا؛ من منع دلالة الآيات على حجّيّته خصوصا آية النبأ، ومع فرض تسليم الدلالة [ فإنّها ]معارضة بمثلها .
وأمّا الثالث؛ فهو و إن كان ـ بعد العلم ـ أقرب إليه أصلاً، إلاّ أنّ ذلك فرع إمكان تحقّق الشهادة ـ أوّلاً ـ وهو ممنوع؛ لِما عرّفوها [ من] أنّها إخبارٌ جازم بحقٍّ لازمٍ للغير، وهذا غير ممكنٍ بالنسبة إلى الرواية؛ لاقتضائه إدراك الشاهد لهم، وهو غير واقع [ بالنسبة] إلى مَن كان سابقا بأزمنةٍ كثيرة .
وثانيا: [ أنّ] ما في كتب الرجال نقوش، والشهادة من باب اللفظ .
وثالثا: [ أنّ] أكثر ما في الكتب من باب فرع فرع فرع الفرع ... إلى آخره، ومثل هذه الشهادة في أمثال المقام غير مسموعة .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
316

الأوّل: التعارض على سبيل التباين الكلّيّ، كأن يقول المعدِّل: رأيته في صبيحة يوم الجمعة ـ مثلاً ـ يصلّي، وقال الآخر ـ أعني الجارح ـ : رأيته في ذلك الوقت المخصوص بعينه يزني .
والثاني : التعارض المساوق للعموم من وجه .
[ و] الثالث: التعارض بالعموم المطلق.
وكلّ واحدٍ من هذه الأقسام إمّا [ أن يكون] من باب تعارض النصَّيْن، أو الظاهرَيْن، أو الظاهر مع النصّ، أو الظاهر مع غيره ـ لو قلنا بالتعارض في الأخير ـ .
والحاصل: أنّ صور الأقسام إمّا تسعة أو اثنا عشر، وفيه أقوالٌ:
[ فـ] قيل بتقديم قول الجارح مطلقا؛ تمسّكا باستلزامه الجمع بين القولين، والجمع بين الدليلين ـ مهما أمكن ـ أَوْلى من الطرح .
وفيه ـ مع أنّه لا دليل على وجوب الجمع بين الدليلين، وأعميّته من المدّعى؛ لإمكان الجمع بغيره واستلزامه عدمَ تحقّق حديثٍ صحيحٍ إلاّ نادرا ـ : أنّه لايتمّ في تعارض المتباينين بالتباين الكلّيّ إذا كانا نصَّين؛ لعدم إمكان الجمع بينهما حينئذٍ، وكذا في العموم المطلق أو من وجهٍ أيضا لو كانا نصَّين .
نعم، يمكن القول بتقديم الجارح فيما إذا كان الجرح نصّا والتعديل ظاهرا؛ لإرجاع قول المعدِّل إلى عدم العلم، وهو ينافي العلم الذي يدّعيه الجارح .
وكذا فيما إذا كان تعارضهما ظاهرَيْن، أو كان الجرح ظاهرا والتعديل نصّا؛ وقلنا بوجوب الجمع بين المتعارضَيْن .
وقيل بتقديم قول المعدِّل مطلقا، ولعلّه لكثرة التسارع إلى الجرح، فيكون موهونا .
وفيه ما لايخفى [ إذ] قد تقدّم أنّ بعض الجارحين لمّا كان مسارعا إلى الجرح [ فـ] لا عبرة بجرحه، ولكنّ هذا مخصوصٌ بموارد خاصّةٍ، والمقصود هنا تأسيس الأصل والقاعدة الكلّيّة من دون ملاحظة الموارد الشخصيّة .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7158
صفحه از 640
پرینت  ارسال به