285
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

وأمّا إذا لم يكن الرجوع ممكنا؛ سواء عُلم من حاله أنّه غير قادرٍ على استنباط أحوال الخبر وسلسلة رواته؛ لعدم مَلَكته، وكون المصحّح ذا مَلَكةٍ في الفنّ، أو غير قادرٍ؛ لعدم سليقته، أو لكثرة وسواسه وتزلزله وتشكّكه في غالب أمثال الأُمور، بحيث يُشْكل عليه تمييز المشتركات، والاطّلاع على القرائن الخفيّة، والعلم بتاريخ أشخاص الرواة ـ والدا وولدا ـ من حيث الأسماء والكنى والألقاب، وكان ضبط هذه الأمور عليه صعبا مستصعَبا، فتحصيل المعرفة بأمثال هذه الأمور يوجب العُسرَ والحرج لغير ذي مَلَكةٍ، وتعطيل الأحكام ؛ بحيث لايمكنه مدّةً مديدةً ضبط سند خبرٍ واحد في مسألةٍ واحدةٍ، فضلاً عن بابٍ واحدٍ، وفضلاً عن أبواب تمام الفقه .
ففي هذا الفرض يجب عليه الاتّكال على تصحيح الغير لو كان مجتهدا، وإلاّ فمثل ذلك الشخص في مرتبة التقليد، شريك للمقلّدين، فكيف يرضى أن يُسمّى بالمجتهد المطلق الذي لا قدرة له على معرفة شرطٍ من شرائط الاجتهاد في الأحكام ـ وهو الاطّلاع على القواعد الرجاليّة ـ فتدبّر .
أمّا الأمر الثالث؛ فإنّ الظاهر من عبائر الطائفة في مواضع عديدةٍ أنّ التضعيف ـ كالتصحيح ـ معتبرٌ [ عند] كلّ مَن يكتفي بتصحيح الغير، لاتّحاد المَدْرَك، وعدم القول بالفصل، فلايحتاج إلى الإعادة ـ كما لايخفى على ذي مُسْكة ـ .
أمّا الأمر الرابع؛ فجواز الاتّكاء على تصحيح الغير ـ لو أجمعوا على تصحيح سند حديثٍ ـ عند جماعةٍ ممّا لا إشكال فيه، بل ربّما ادّعى بعضهم أنّه المتعيّن، لأنّ الظنّ الحاصل منه أقوى من الظنّ الحاصل من الرجوع إلى علم الرجال .
وفيه ما لايخفى، إذ كون ذلك أقوى أوّل الدعوى، بل الرجوع إلى علم الرجال لايبعد كون الظنّ الحاصل منه أقوى ـ وإن كان تصحيح الغير أقوى ـ كما أنّ الكشّيّ ادّعى إجماعَ العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جماعةٍ كثيرةٍ؛ منهم: أبان بن عثمان ـ مثلاً ـ فعلى هذا يكون الظنّ الحاصل من أبان في حكم كذا أقوى من الظنّ الحاصل لنا على خلاف قوله، وإن لم يقل به أحد .
والحاصل: أنّ الظنّ الحاصل من التصريح بالاسم و [ الإخبار بعدالة ]المسمّى في


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
284

الراوي وديانته، فيجوز العمل به، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا، بل يجب عليه الرجوع إلى علم الرجال.
وفيه: إن بلغ ذهاب الأكثر و الجميع إلى مرتبةٍ توجب القطع فلايتصوّر فوقه شيءٌ حتّى يلزم الفحص، وإن لم يبلغ حدَّ القطع فلا دليل على اعتباره، بل ربّما يحصل الظنّ من تصحيح البعض أكثر من تصحيح الأكثر .
ودعوى الإجماع الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام لا معنى له هنا، لأنّ هذه المسألة ليست ممّا يتوقّف عليه بيان المعصوم عليه السلام بل هي من الموضوعات الصِّرْفة يجب على كلّ مكلّفٍ أن يجتهد فيها حتّى يحصل له ظنٌّ أو قطع، فسبيلها كسائر المبادئ ممّا يتوقّف عليه علم الفقه؛ كالنحو والصرف واللغة وأمثالها .
أمّا الثاني ؛ فقد عرفت أنّ حكمه الرجوع إلى علم الرجال، [ وهو] يكون ممكنا وميسورا من غير أدائه إلى العسر والمشقّة .
وتوهّم لزوم العسر فاسدٌ، لسهولة الرجوع إلى الكتب الرجاليّة.
فغاية الرجوع تحصيل الظنّ بقواعده، سيّما بعد ملاحظة مذاق المتأخّرين من بنائهم في التصحيح على الظنّ، فتحصيل ذلك ـ بعد المراجعة إلى الكتب التي جمعت القواعد ، و رُتّبت فيها على نحو الكمال ـ يمكن بغاية السهولة ، و إن كان عَسِرا لدى الهِمَم القاصرة سيّما في أمثال هذه الأزمنة التي اندرست فيها أسباب العلم وأهله، وقلّ الاشتغال بأمثال هذه العلوم، فلم يَبْقَ منها إلاّ الرسم، ولم يبق من العلماء إلاّ الاسم، ولعلّه لم يسبق علينا زمانٌ كان أهله كذلك، فوا أسفا ثمّ وا أسفا على هذه الأزمنة التي تعطّلت [ فيها] أمور التدريس والتكليف، وخمدت آثار المذاكرة وأنوار التصنيف .
وبالجملة، إذا صار الرجوع ممكنا فلايجوز الرجوع إلى العمل بتصحيح الغير والاكتفاء بقوله، بل عليه الرجوع إلى علم الرجال، والاتّكال على ما حصل له بعد المراجعة، وهو المطلوب .
هذا إذا كان الرجوع ميسورا وأمكن تحصيل المعرفة بقواعده والرجوع إلى العلم .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7366
صفحه از 640
پرینت  ارسال به