283
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

لا بالأخصّ، للاحتياج إلى ملاحظة الاصطلاح والعدالة وحرمة التدليس ونحوها، ولا دليلَ ـ شرعا ـ على اعتبار مثل هذه الشهادة، بل المعتبر في الشريعة الدلالة المطابقة الصريحة الواضحة، فتدبّر .
ثمّ إنّ في المسألتين قولين آخرين:
أحدهما: جواز الاكتفاء بتصحيح الغير لو كان رواة سلسلة ما صحّحه مذكورين، كأن يقول المجتهد: إنّ المسألة الفلانيّة حكمها كذا لروايةٍ صحيحةٍ رواها فلانٌ عن فلانٍ، ويذكر سلسلة سندها إلى المعصوم عليه السلامفيكون الحكم بالصحّة على هذا النحو تعديلاً للراوي المعيّن، فالمقتضي ـ وهو التصحيح والتعديل ـ يكون موجودا، والمانع ـ وهو عدم إمكان الفحص عن معارضه ـ مفقودا، فلابُدّ من القبول .
وفيه نظر لايخفى من الضعف، فإنّ مجرّد ذِكْر الأسامي في السند لايوجب جواز العمل بتصحيح الغير لو قلنا بأنّ التصحيح من باب الحكم والإنشاء ـ كما مرّ في حمل قول الصدوق ـ عليه الرحمة ـ فيما حكم بتصحيح ما أفتى به ـ .
وأمّا لو قلنا بأنّه من باب الخبر والرواية؛ فلا فرق بين أن يكون المصحّح والمعدّل مذكورا أم لا، وكذا لو كان من باب الظنّ ـ كما هو المذهب ـ فالعلّة المذكورة لا وجه لمن لا تدرّب [ له ]في الرجال، بل لمن له الملكة أيضا لابُدّ من المراجعة إلى الرجال غالبا . ۱
نعم، لوقلنا [ بأنّ التصحيح] من باب الشهادة ـ على فرض التسليم والفرض ـ فيمكن أن يقال حينئذٍ : إنّه شهادة على المعلوم، بخلاف ما لم يكن الرواة مذكورين في السند .
وفيه أيضا نظر، إذ دلالة التصحيح على التعديل قلنا إنّه باللزوم البيّن بالمعنى الأعمّ، وقبول مثل هذه الشهادة لايخلو من مناقشة، لعدم الدليل في الشريعة على اعتبارها .
مضافا إلى أنّ التعديل قطعيّ، والتصحيح ظنّيّ، والأوّل مقدّم على الثاني .
وثانيهما: ربّما فُصّل بين ما لو كان السند بحيث اتّفق الأكثر أو الجميع على وثاقة

1.كذا، والعبارة غير مستقيمة كما ترى .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
282

وضبطه أمثال تلك الأمور، وكذلك لِما سيجيئ في بيان الأمر الثاني من الشُّبُهات .
ولكنّ كلامنا فيمن أمكن له تحصيل العلم بالقواعد الرجاليّة بسهولة، فكلّما حصل له الظنّ ـ بعد بذل جهده ـ يكون معتبرا، فباعتبار قوّته يقدّم على الظنّ البدويّ النوعيّ الحاصل من تصحيح الغير الذي يزول بعد ملاحظة الاختلافات ـ على ما ذكرنا مشروحا ـ إذا قلنا بأنّ الظنّ الحاصل من تصحيح الغير وتضعيفه يكون معتبرا من باب الظنون الاجتهاديّة .
وأمّا إن قلنا بأنّه من باب الرواية؛ فالدليل على اعتبار ذلك الغير إن كان إجماعا فاعلم أنّ الإجماع من اللُّبِّيّات، والقدر المجمع عليه من اعتبار قول العادل إنّما هو بعد الفحص عن المعارض، وأمّا قَبْلَه فلا دليل، والدليل اللُّبّيّ لا عمومَ ولا إطلاقَ له، فحينئذٍ لا دليلَ على المدّعى ، وهو العمل بتصحيح الغير ولو قبل الفحص عن معارضه، كما هو مقصود المستدلّ .
و[ أمّا] العمل بقوله بعد الفحص عن المعارض ؛ فهو عبارة أخرى عن المراجعة [ إلى كتب ]الرجال .
وإن كان الدليل على اعتبار قوله من باب الرواية ومفهوم الآية ـ وهي قوله تعالى «إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُم بِنَبَإٍ» الآية ـ فهو وإن كان دليلاً لفظيّا، ولكنّ انصرافه عرفا ـ أي قبول قول العادل ـ إلى ما بعد الفحص .
وأمّا شمول المفهوم ـ وهو إن جاءَكم عادلٌ فاقبلوا أيّ نبأٍ ورواية تُصحّح، ولايُتفحّص عن معارضه ـ فلا .
وإن قلنا بأنّ التصحيح والتعديل من باب الشهادة؛ فنقول :
أوّلاً: لا دليل على اعتبار مثل ذلك، لِما عرفت أنّ ذلك من باب النقش، فلا يكون خبرا، وأنّه ليس من الشهادة .
وثانيا: على فرض تسليمها؛ هنا غير مسلَّمة، لأنّها شهادة على المجهول .
وثالثا: دلالة التصحيح على التعديل بالدلالة الالتزاميّة باللزوم البيّن بالمعنى الأعمّ

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7364
صفحه از 640
پرینت  ارسال به