281
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

القهريّ الحاصل من قوله، فيصير شاكّا، فلم يكن الظنّ باقيا حتّى يكون معتبرا، وذلك ظاهرٌ بعد مراجعة الوجدان .
وثانيا: أنّ الظنّ الحاصل من بذل جهده واستغراق وُسْعه ـ بعد كونه ذا مَلَكَةٍ، مقتدرا على الاستنباط وتحصيل العلم بالقواعد الرجاليّة، واستقامة ذهنه وسليقته فيه ـ ظنٌّ شخصيٌّ، لايحصل له الاشتباه كثيرا بحيث يوجب التزلزل في ظنّه، بخلاف الاتّكال على تصحيح الغير من غير فحصٍ وبحثٍ، وهو وإن حصل منه الظنّ إلاّ أنّه ظنٌّ نوعيٌّ، بل بدويٌّ يتزلزل بعد ملاحظة ما ذكرنا من الاختلافات في الأقوال والقرائن، والاختلاف في مشارب المصحّحين والجارحين .
وتوهّم لزوم العُسْر ـ خصوصا فيمن عُلم من حاله أنّه غير قادرٍ على استنباط أحوال الخبر، ورواة سلسلة السند، لعدم مَلَكته، وكون المصحِّح ذا مَلَكةٍ في الفنّ، وكان ممّن يُعتمد على قوله .
مدفوعٌ ـ أوّلاً ـ [ بأنّ] الرجوع إلى الكتب الرجاليّة أمرٌ سهلٌ، وكلامنا في لزوم المراجعة من باب المقدّمة كمعرفة سائر العلوم، فالرجوع إلى علم الرجال من شرائط الاجتهاد في الأحكام الشرعيّة، بخلاف العمل بتصحيح الغير، لأنّه ربّما كان له معارضٌ لم يتعرّض [ له] المصحِّح، فيكون العمل بقوله كالعمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصِّص، مع أنّه لكثرة التخصيص صار إلى مرتبةٍ قيل فيه: «ما من عامٍّ إلاّ وقد خُصَّ» .
وكذلك لايجوز الاتّكال بالكلّيّة على تصحيح الغير من جهة كثرة المعارض، بل كاد أن لايوجد تصحيحٌ سالمٌ عن معارضٍ مّا يوجب التضعيف .
هذا إن قلنا بأنّ اعتبار التصحيح والتضعيف من باب الظنون الاجتهاديّة ـ كما عليه المحقّقون ـ كما نُسب إلى اُستاذ الاُستاذ ـ رحمة اللّه عليهما ـ من كفاية الظنّ الحاصل من تصحيح الغير، و عدم لزوم المراجعة إلى الكتب الرجاليّة ـ مع قوله بأنّه من [ باب] الظنون الاجتهاديّة ـ فلعلّ نظره إلى لزوم العسر والحرج، وتعطيل الأحكام، سيّما لمن لم تكن فيه مَلَكة ، أو لم يكن قادرا على استنباط و معرفة أحوال رواة الأخبار ، وتمييز المشتركات، والاطّلاع على القرائن الخفيّة، والعلم بتاريخ ولادة الرواة ووفاتهم


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
280

تصحيح بعض المعتمدين في علم الرجال ربّما يكون أقوى من الظنّ الحاصل من أخبار اجتهاده ـ خصوصا إذا لم يكن ذا مَلَكةٍ، أو لم تكن له سليقة مستقيمة، سيّما إذا لَزِمَ العُسْر والحرج، وسيجيئ بيانه إن شاء اللّه تعالى ـ .
وجماعة من المحقّقين قالوا بعدم جواز الاكتفاء بالظنّ الحاصل من تصحيح الغير ـ و إن كان ذلك الغير ممّن يُعتمد على قوله ـ بمعنى أنّ كلّ مجتهدٍ لابُدَّ له في العمل بالأخبار من ملاحظة سندها ؛ بالرجوع إلى علم الرجال، فلايكفي تصحيح الغير ـ ولو كان معتمدا لبعضٍ آخَر ـ بناءا على أنّ الأصل تحصيل العلم، أو ما في حكمه ـ عند تعذّره ـ وهو ما يقوم مقامَه من الشهادة والرواية، وتصحيح الغير لايحصل منه العلم، ولايكون خبرا، لِما ذكرناه سابقا [ من] أنّه يكون نقشا لا لفظا، وأنّ قبول التصحيح من الغير موقوفٌ على عدم معارضة الجرح والتضعيف، ولايتحقّق ذلك بمجرّد وصف الحديث بالصحّة، فلاتتحقّق التزكية .
ولابدّ من تعيين الراوي، وهو إنّما يتحقّق بعد مراجعة السند، والنظر في حال رواة سلسلة السند حتّى يؤمن ويطمئنّ من معارضة الجرح .
فلايعمل بكلّ خبرٍ قبل الفحص عن أحوال سنده، والبحث عن معارضه، كالعمل بالعام قبل الفحص عن مخصّصه، وهو المعتمد.
فإن قلت: إذا كان بناء العمل على الظنّ؛ فلا وجه للمنع، لحصوله بمجرّد تصحيح الغير، سيّما إذا كان ذلك الغير ممّن يعتمد على قوله في ذلك الظنّ، لكونه ماهرا، إذ ربّما يكون الظنّ الحاصل من تصحيح بعض المعتمدين أقوى من الظنّ الحاصل باجتهاده .
قلت:
أوّلاً: أنّ المعتبر هو الظنّ الحاصل بعد الفحص، فيكون باقيا ثابتا ـ ولو بعد ملاحظة الاختلافات بحسب الأقوال والقرائن ـ .
وأمّا الظنّ الحاصل من تصحيح الغير ـ إذا لو حظ اختلاف العلماء في كثيرٍ من الرجال الذين يحتمل كون ما نحن فيه منهم احتمالاً قويّا ـ فيضمحلّ ذلك الظنّ البَدْويّ

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7391
صفحه از 640
پرینت  ارسال به