279
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

سند الحديث، ولايحصل ذلك الوصف لكلّ مجتهدٍ إلاّ بعد المراجعة إلى علم الرجال، ومجرّد تصحيح الغير غير كافٍ في حصول الظنّ .
ويظهر من آخرين أنّ النزاع كبرويٌّ، أي في حجّيّة الظنّ الحاصل من تصحيح الغير ـ بعد تسليم حصوله ـ .
أقول: إنّه يُتَصَوَّر النزاع في كلا الأمرين، أي الصغرى والكبرى .
أمّا الصغرى؛ فاعلم أنّ حصول الظنّ أمرٌ قهريٌّ ـ ولو من تصحيح الغير ـ لايجوز منعه عقلاً وعادةً، إلاّ أنّ ملاحظة اختلاف المعدّلين والجارحين في جهات الجَرْح والتعديل ، [ فـ] ربّما يتّفق كثيرا أنّ بعضهم يدّعي أنّ الرواية الفلانيّة في المسألة الفلانيّة صحيحة، وأنّ راويها فلانا ثقة، وعمل بوثاقته وحكم بصحّة سنده، وبعضهم أنكر وثاقة ذلك الراوي بالخصوص وحكم بضعفه بسبب كونه مقدوحا [ فيه] عنده .
فبعد ملاحظة هذه الاختلافات، وتفاوت مراتب فهمهم وسلائقهم؛ يحصل لنا الشكّ، ويزول ما حصل لنا من الظنّ البَدْويّ الحاصل من تصحيح ذلك الغير، فيُتصوَّر النزاع في موضوع الوصف، لأنّه ـ وإن حصل بتصحيح الغير ـ يزول بعده، أي بعد ملاحظة هذه الاختلافات، والقرائن .
وبالجملة: نحن لم ندَّعِ حصولَ الظنّ في بادئ النظر؛ من تصحيح الغير، إلاّ أنّه يضمحلّ ذلك الظنّ البَدْويّ مع ملاحظة تلك الاختلافات في أسباب المدح والقدح .
وأمّا النزاع في الكبرى ـ بعد تسليم صغرى حصول الظنّ ـ [ فقد] ذهب بعض الأصحاب من محقّقي المتأخّرين كصاحب الرياض ـ على ما نسبه إليه مولانا المُلاّ أبو الحسن بن الحسين اليزديّ، المجاور [ بالحائر] الحائريّ مسكنا وموطنا ـ رضوان اللّه عليه ـ ، حين مذاكرة القواعد الرجاليّة ـ إلى أنّ الظنّ الحاصل من تصحيح الغير كافٍ ومُغْنٍ عن الرجوع إلى علم الرجال، تمسّكا بعدم التفرقة بين الظنَّيْن، وأنّ الظنّ ممّا يقبل التشكيك في الشدّة والضعف إلى أن يصل إلى مرتبة العلم .
وكون الشخصيّ منه أقوى من النوعيّ؛ ممنوعٌ، نظرا إلى أنّ الظنّ الحاصل من


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
278

الرجاليّة، وتحصيل قواعده؛ ممّا يتوقّف عليه علم الفقه ـ كسائر العلوم ـ من مقدّماته كالنحو والصرف واللغة والاُصول وغيرها .
(الثاني): قال جماعة منهم بكفاية تصحيح الغير، وعدم وجوب الرجوع إلى علم الرجال فيما علم إجمالاً .
[ و] تنقيح الكلام في المقام يستدعي التنبيه على أمورٍ :
الأوّل: هل النزاع موضوعيٌّ وصغرويٌّ، أم النزاع كُبرويٌّ؟
وبعد تسليم حصول الظنّ للمجتهد من تصحيح الغير ـ ولو كان ذلك الغير ممّن يعتمد على قوله ـ لايكون ذلك الظنّ معتبرا ، لأصالة الظنّ الشخصيّ وأقوائيّته .
وبعد تشخيص النزاع يلزم إقامة الدليل على ترجيح أحد القولين .
والثاني: هل الرجوع إلى علم الرجال، وتحصيل العلم بقواعده؛ ممكنٌ وميسورٌ لكلّ مجتهد، أم يتعسّر العلم لبعضٍ؟ وعلى الثاني إذا صار التعسّر إلى حدّ أن يؤدّي [ إلى] تعطيل الحكم؛ فحكمه ماذا؟
والثالث: على القول بعدم جواز الرجوع إلى تصحيح الغير ـ سيّما إذا أمكن للمجتهد تحصيل العلم بالقواعد ـ لو أجمعوا على تصحيح سند حديثٍ؛ هل يجوز القول بكفاية مثل هذا التصحيح، أم لايجوز؟
والرابع: أنّ التضعيف مثل التصحيح معتبرٌ، وكلّ مَن يكتفي بتصحيح الغير ـ نظرا إلى عدم القول بالفصل ـ يقول بكفاية تضعيف الغير في الحكم بالضعف، أم لا؟
وهل يجب على كلّ مجتهدٍ أن يبحث في أحوال مَن كان من المقدوحين والضُّعفاء حتّى تحصل المعرفة بأحوالهم؛ من دون الاتّكال على قول مَن ضعّفهم ـ ولو كان ممّن يُعتمد عليه ـ وإن قلنا بجواز العمل بتصحيح الغير؟
أمّا الأمر الأوّل؛ فيظهر من جماعةٍ أنّ النزاع في موضوع المسألة [ موضوعيٌّ] وصغرويٌّ، نظرا إلى استدلالهم على عدم حصول الوصف من المظنَّة من قول الغير في أحوال الراوي، وعدم حصول [ الظنّ] بصدق الراوي إلاّ بعد الفحص عن كيفيّة أحوال

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7396
صفحه از 640
پرینت  ارسال به