263
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

فترك بعض ما اعتبره، واعتبر بعض ما تركه .
وكذا الشيخ لم يعتمد عليهما، وهكذا الحال فيمن قبل المحمّدين الثلاثة من المشايخ.
فإذا كان دأب قدمائنا ذلك، فكيف يبقى لنا وثوق بنقدهم وانتخابهم؟
فلو فرضنا وسلّمنا قطعيّة صدور كلّ ما أُخذ من تلك الكتب المُجْمَع على ثبوتها، كيف يحصل لك العلم بأنّ الصدوق ـ مثلاً ـ نقل هذه الرواية المخصوصة من تلك الكتب لا غيرها ـ غير عدم التصريح بالأخذ ـ؟
وعلى فرض التصريح؛ فمن المحتمل الامتزاج، واحتماله ينافي القطعيّة ـ سيّما احتمال السَّهو ـ والشبهة يؤيّدها الغفلة البتّة .
وأمّا عن الوجه الثاني : فنمنع حصول العلم بالأصول الصحيحة الثابتة، بل اشتهارها ـ بما [ أنّه] كانت تلك الاُصول مشهورة ـ كافٍ في الاعتماد عليها في النقل، كما تُرشد إليه عبارة الصدوق من: «أنّ أخبار كتابنا مأخوذة من كتبٍ مشهورةٍ».
فيلزم منه أنّ بناءَهم على جواز العمل بما هو المعوَّل والمعتَمَد ـ وإن لم يفد منه العلم ـ .
وأمّا بناؤهم على تحصيل العلم حتّى في زمان النقل؛ فغير ثابتٍ، وعلى المستدلّ الإثبات .
وأمّا قوله رحمه اللّه : «إنّ أصحاب الكتب الأربعة لم يقصّروا في ذلك، ولو قصّروا لم يشهدوا بصحّة تلك الأخبار، كما هو المعلوم من حال أرباب السِّيَر والتواريخ» ففيه ما عرفت [ من] أنّهم في مقام بيان ما أفتَوا به، وأنّه حجّةٌ بينهم وبين اللّه ، لا في مقام الشهادة [ بـ] أنّ تلك الأخبار صحيحة، وأنّها قطعيّة الصدور .
مضافا إلى عدول الصدوق ـ في أثناء الكتاب ـ [ عن ذلك] بخلاف ما تعهّد به في المقدّمة .
ولعلّ دأب أغلب القدماء، ورَوِيَّة جُلّ المشايخ كان مثل عادة كلّ واحدٍ من الشيوخ الثلاثة؛ بأنْ لم يَرْوِ ثقة الإسلام جميعَ الأخبار المودَعة في الاُصول الأربعمائة، كما أنّ


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
262

أقول: فلو كان الصحيح؛ معناه: القطعيّ الصدور، [ فـ] كيف يكون غير الصحيح بمعنى عدم القطع بالصدور ـ بعبارةٍ أُخرى ـ.
فقول الصدوق: «كلّ ما لم يحكم [ محمّد بن] الحسن بن الوليد بصحّته» معناه: كلّ ما لم يحكم ابن الوليد بعدم القطع بصدوره عن المعصوم عليه السلام فهو عندنا غير القطعيّ الصدور، وهو ممنوعٌ، بل مخالفٌ للظاهر، إذ الظاهر من قوله: «إنّ محمّد بن موسى الهمدانيّ كان كذّابا، غيرَ ثقةٍ» أنّه لايعتمد الشيخ [ على الخبر] من طريقه، لكون الراوي غير [ ثقة] فلا اعتماد على قوله، فلايعتبر حديثه.
هذا هو معنى عدم الصحّة، لا عدم القطع بصدور حديثه عن المعصوم عليه السلاموهو ظاهرٌ لا لُبس فيه .
هذا تمام الكلام في الجواب الإجماليّ لِما ذكره الحرّ العامليّ ـ طاب ثراه ـ ومَن يحذو حَذْوَه، مثل صاحب الحدائق وغيره.

وأمّا الجواب التفصيليّ؛ فوجوه:

أمّا عن الوجه الأوّل : فنمنع [ كون] اهتمام القدماء وصرف همّتهم في ضبط الأحاديث مقتضيا لثبوت قطعيّة الصدور .
ولو سلّمنا ذلك الاقتضاء؛ فمن أين يكون حصول قطعهم بالصدور مستلزما لحصول القطع لغيرهم؟ لِما عرفت [ من] أنّ طريقة الأصحاب ـ قديما وحديثا ـ جَرَتْ على بيان النقد والانتخاب من غيرِ اتّكال أحدهم على الآخر، فلايأخذ المتأخّر كلامَ المتقدّم تقليدا ومَحْضَ اتّباعٍ .
ألا ترى أنّ صاحب الكافي مع غاية ديانته، ونهاية تبحّره وفضله، ومبالغته [ في بذل ]جهده في تصنيف الكافي في مدّة عشرين سنةً ـ مع سماع عَرْضه على الصاحب عليه السلام، كما اشتهر في ألسُن الطلبة أنّه بعد وصوله إلى نظره المبارك قال عليه السلام: هو كافٍ لشيعتنا ـ لم يكتف الصدوق المتأخّر عنه ـ مع قرب عهده، وكمال اعتقاده بديانته ـ باعتبار ما هو المنتخب فيه عنده، لِما ذكرنا سابقا أنّ الصدوق ألّف كتابا آخر مخالفا،

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7350
صفحه از 640
پرینت  ارسال به