261
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

عليه ـ ولو كان بسبب اقترانه بما يوجب الوثوق به، والرُّكون إليه ـ .
فالحديث المعتبَر والمعتمَد عليه ـ أي الذي عليه المعوَّل وإليه المرجع ـ عبارةٌ عمّا يكون صحيحا عندهم، وهو ظاهر قولهم في أصحاب الإجماع، على ما نقله أبو عمرو الكشّيّ ـ من أئمّة الرجال ـ في مَن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، كما عن شيخنا البهائيّ ـ رحمه اللّه ـ في مشرق الشمسين ۱ : كان المتعارَف بين قدمائنا إطلاق الصحيح على كلّ حديثٍ اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به، والركون إليه ـ كما هو ظاهر ما ذكره الصدوق في أوّل ديباجة الفقيه حيث فسّر قوله: «وأحكم بصحّته، وأعتقد فيه [ أنّه حجّةٌ بيني وبين ربّي]» بما عليه المعوَّل وإليه المرجع، مثل كتاب حَريز بن عبد اللّه ... إلى آخره .
وهو ظاهرٌ لا لُبس فيه، فأين دعواه قطعيّة صدور ما قصد إيراده فيه؟ وأين شهادته على القطع بالصدور؟ ـ على ما عرفت غير مرّة ـ .
فعلى فرض حمل قول الصدوق على خلاف ما هو الظاهر ـ أعني الشهادة ـ لايحصل من شهادته هذه القطع بصدور تلك الأخبار عن المعصوم عليه السلام .
مع أنّ الصحيح في اصطلاحهم ليس بمعنى القطعيّ الصدور عنهم عليهم السلاملِما عرفت أنّ الظاهر من عباراتهم هو ما ذكره شيخنا البهائيّ ـ رحمه اللّه ـ من أنّ المتعارَف بين القدماء إطلاق الصحيح على كلّ ما يقتضي اعتمادَهم عليه، وهو مستفاد من عبارة الفقيه المذكورة .
والشاهد على ظهور ذلك من كلامه في أوائل كتابه أنّه قال في (باب صوم التطوّع) ۲ في خبر صلاة الغدير ـ كما ذكرناه ـ : إنّ كلّ ما لم يصحّحه شيخنا [ محمّد بن ]الحسن بن الوليد ولم يحكم ذلك الشيخ ـ قدّس اللّه روحه ـ بصحّته من الأخبار؛ فهو عندنا متروك، غير صحيح، انتهى كلامه في الباب .

1.مشرق الشمسين : ۲ .

2.الفقيه ۲ : ۹۰ ـ ۹۱ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
260

ومنها: في (باب ما يجب [ به] التعزير والحدّ) ۱ : قال مصنّف هذا الكتاب رحمه اللّه : جاء هذا الحديث هكذا في رواية وَهْب بن وَهْبٍ، وهو ضعيفٌ، والذي اُفتي به وأعْتَمده في هذا المعنى ما رواه الحسن بن محبوب عن العلاء... إلى آخره.
وأنت إذا لاحظت ما ذكره الصدوق في أوّل كتابه من قوله: «بل قصدتُ إلى إيراد ما اُفتي به، وأحكم بصحّته» ظهر لك أنّ هذه الأحاديث التي ذكرنا[ ها] في كلّ واحدٍ من المواضع المذكورة ليست من جملة ما حكم بصحّته وأفتى به، فإذا كان حال [ كلام] الصدوق هذا ـ بل صرّح في أكثر تلك المواضع بضعف هذه الأخبار وعدم اعتبارها ـ [ فـ] كيف يدّعي مُعْظَم الأخباريّين بأنّ جميع الأخبار المذكورة في الفقيه تكون قطعيّة الصدور عند الصدوق؟ هذا حال كلام الصدوق رحمه اللّه .
وكذا عِدَّة مواضع من كتاب الكافي و التهذيب و الاستبصار خصوصا كلام الشيخ في الأخير، حيث عددنا المواضع التي صرّح بضعف سند الأخبار المذكورة فيها فبلغت عشرين موضعا لايعتمد على السند المذكور فيها، بل صرّح بأنّا لانعمل بمفادها، ولم نذكرها لئلاّ تطول الرسالة، فمن تتبّع في مواضع [ من] تلك الكتب عَلِمَ أنّ ما ذكرناه مطابق للواقع، و [ أنّ] ما ادّعاه هؤلاء الأجلّة لايكون له محملٌ صحيح إلاّ الغفلة والمسامحة ـ كما لايخفى على مَن له أدنى بصيرة ـ فتبصّر .
وثالثا : لو سلّمنا أنّ كلمات المشايخ ـ في أوائل كتبهم الأربعة ـ صدرت منهم في مقام شهادتهم بصحّة أحاديث كتبهم الأربعة ـ على خلاف ما هو الظاهر منهم كالشمس في وسط السماء؛ من بيان اعتقاداتهم الاجتهاديّة الحاصلة بعد صرف عمرهم في المدّة المديدة؛ من كمال بذل جهدهم وسعيهم في فهم ما ذكروه في ديباجة كتبهم ـ فنقول: إنّ مجرّد شهادتهم بصحّة تلك الأخبار كيف يحصل [ به ]القطع بصدورها عن أهل بيت العصمة من المعصومين عليهم السلام .
بل الصحيح ـ عند القدماء من الأصحاب ـ يُطلق على كلّ حديثٍ يكون اعتمادهم

1.الفقيه ۴ : ۳۵ ، ح ۵۰۲۶ ، باب ما يجب به التعزير والحدّ والرَّجم والقتل والنفي في الزنا .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7332
صفحه از 640
پرینت  ارسال به