257
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

أكثر في الفقيه من إيراد الحديث الذي صرّح بأنّه لايفتي به، بل يفتي بما رواه فلانٌ في خلافه؛ في مواضعَ عديدة، وتفصيل مجاهيل الأسناد يُستفاد من مطالعة شرح مشيخة الفقيه لشيخنا المجلسيّ ۱ ـ أعلى اللّه مقامه ـ ، حيث عدّهم مائةً واثنين وعشرين رجلاً مجهولاً، مضافا إلى الضعفاء والمهمَلين .
فلزيادة البصيرة، ورفعا [ للشبهة عمّن] كانت له شبهةٌ؛ نشير إلى بعضٍ منها بقولنا :
منها: في باب الوضوء حيث قال ۲ : فأمّا الأخبار التي رُويت في أنّ الوضوء مرّتين مرّتين؛ فأحدها بإسنادٍ منقطعٍ يرويه أبو جعفر الأحول ـ إلى أن قال: ۳ ـ وفي ذلك حديثٌ آخرَ بإسنادٍ منقطعٍ رواه عمرو بن أبي المقدام ـ إلى أن قال ۴ : ومعناه: أنّ تجديده بعد التجديد لا أجْرَ له كالأذان، مَن صلّى الظهر والعصر بأذانٍ وإقامتين أجزأه، ومن أذّن للعصر كان أفضل، والأذان الثالث بدعة لا أجْرَ له، وكذلك ما روي: أنّ مرّتين أفضل؛ معناه التجديد ، انتهى .
[ و] لاشكّ ولا شبهة ولا ريب أنّ الحديث المنقطع ـ أو المقطوع ـ من أقسام المرسَل الّذي سقط واحدٌ من سلسلة رواته في وسط السند، ومع كونه مرسلاً عمل به الصدوق حيث حمله على التجديد، ومع كونه ـ رحمه اللّه ـ عاملاً بمثل هذا السند ـ بعد تصريحه بكونه منقطعا ـ كيف استدلّ هؤلاء الأكابر من الأخباريّين بشهادة الصدوق على قطعيّة صدور الأخبار المودَعة في الفقيه ؟
مع أنّه لانسلّم كونَ ما ذكره المشايخ في ديباجة كتبهم الأربعة شهادةً ـ ولو إيماءا ـ فكيف يدلّ دلالةً صريحةً أو التزاما؟ بل ظاهر كلامهم في بيان اعتبار اجتهاداتهم.
مع أنّ مَن تتبّع كلامهم في مواضعَ [ من] تلك الكتب وجَدَ أنّهم عدلوا عمّا بَنَوا

1.يعني: التقيّ المجلسيّ ـ رحمه اللّه ـ والد صاحب البحار ، فإنّ له كتاب روضة المتّقين شَرَحَ فيه الفقيه وفي آخره شرحٌ لمشيخته .

2.كتاب مَن لا يحضره الفقيه ۱ : ۳۸ .

3.الفقيه ۱ : ۳۹ .

4.الفقيه ۱ : ۳۹ ـ ۴۰ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
256

فيما بيني وبين ربّي ـ تقدّس ذِكْره، وتعالت قدرته ـ وجميع ما فيه مستخرجٌ من كتبٍ مشهورةٍ عليها المعوَّل، وإليها المرجع» ۱ فيكون مراده بالصحّة؛ بمعنى المعتَمَد والمعوَّل [ عليه] ـ كما [ هو] مذهب القدماء ـ فلذا فسّره بالمعوَّل [ عليه].
فالصدوق عليه الرحمة لايدّعي قطعيّة الصدور أصلاً، بل قال: بأنّ ما أفتى به مأخوذٌ من كتبٍ مشهورةٍ، واشتهار الكتب لايقتضي كونها قطعيّةً .
مضافا إلى أنّه ـ رحمه اللّه ـ في مقام الفتوى بمضمونها، فهي ليست حجّةً على غيره .
على أنّ الإخبار بصحّة ما في الفقيه لايستلزم حصولَ علمه ـ رحمه اللّه ـ بقطعيّة صدور أخباره .
على أنّ كون الشيء قطعيّا ـ لو سلّمنا ـ عند شخصٍ لايستلزم أن يكون قطعيّا عند آخرين، والشاهد على ذلك: عدم إيراد الشيخ في الكتابين ۲ جميعَ ما في الفقيه و الكافي وكذا عدم إيراد الصدوق جميعَ ما في الكافي شاهدٌ على أنّ ما قطع به ثقة الإسلام غيرُ ملازمٍ لحصول القطع بالصدور لمن تأخّر ، ولو كان ذلك الآخَر مثل الصدوق، مع قرب عهده إليه، ونهاية جلالته ووثاقته، وشدّة بذل جهده وصرف همّته ـ في مدّة عشرين سنةً ـ لتأليف كتابه الكافي .
فلو كان عِلم صاحب الكافي كافيا في حصوله للصدوق لَلَزم عليه إيراد ما هو المنتخب [ منه] واعتبار ما جُمع فيه؛ في الفقيه فتأليفه كتابا آخَرَ مخالفا لِما ألّفه دليلٌ على أنّه لم يَرْضَ بجميع ما جمعه فيه .
ثمّ الشيخ ـ مع غاية قربه منهما ـ لم يعتمد عليهما، كما ذكرنا عدم اكتفاء الصدوق بما ذكره في الكافي حرفا بحرفٍ.
ومع ذلك كلّه نقول: إنّ الصدوق ـ مع أنّه صرّح في ديباجة كتابه [ بقوله]: قصدتُ [إلى] إيراد ما أُفتي به، وأحكم بصحّته، وأعتقد فيه أنّه حُجّةٌ فيما بيني و بين ربّي ـ قد

1.كتاب مَن لايحضره الفقيه ۱ : ۳ .

2.يعني: كتابي الأخبار، التهذيب و الاستبصار .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7380
صفحه از 640
پرینت  ارسال به