249
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

جميع أحاديثنا، لعدم العلم بعدالة أحدٍ منهم إلاّ نادرا، ففي [ إحداث ]هذا الاصطلاح غفلة من جهاتٍ متعدّدةٍ ـ كما ترى ـ .
وكذلك كون الراوي ضعيفا في الحديث لايستلزم الفسق، بل يجتمع مع العدالة، فإنّ العدل الكثيرَ السهو ضعيفٌ في الحديث، والثقة والضعف غاية ما يمكن معرفته من أحوال الرواة.
[ و] من هنا يظهر فساد خَيال مَن ظنّ أنّ آية «إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُم بِنَبَإٍ» تُشعر بصحّة الاصطلاح الجديد، مضافا إلى كون دلالتها بالمفهوم الضعيف المختلَف فيه .
ويبقى خبر مجهول الفسق، فإن أجابوا بأصالة العدالة؛ أجبنا: بأنّه خلاف مذهبهم، ولم يذهب إليه منهم إلاّ القليل .
ومع ذلك يلزمهم الحكم بعدالة المجهولين والمهمَلين، وهم لايقولون به ، ويبقى اشتراط العدالة بغير فائدة .
الخامس عشر : أنّه لو لم يَجُزْ لنا قبول شهادتهم في صحّة أحاديث كتبهم، وثبوتها، ونقلها من الاُصول الصحيحة، والكتب المعتمدة، وقيام القرائن على ثبوتها؛ لَما جاز لنا قبول شهادتهم في مدح الرواة وتوثيقهم، فلايبقى حديثٌ صحيحٌ ، ولا حَسنٌ، ولا موثَّقٌ، بل يبقى جميع أحاديث كتب الشيعة ضعيفة، واللازم باطلٌ فكذا الملزوم، والملازمة ظاهرة، وكذا بطلان اللازم .
بل الإخبار بالعدالة أعظم وأشكل وأَوْلى بالاهتمام من الإخبار بنقل الحديث من الكتب المعتَمَدة، فإنّ ذلك أمرٌ محسوسٌ ظاهرٌ، والعدالة عندهم أمرٌ خفيٌّ، عقليٌّ، يتعسَّر الاطّلاع عليه، وهذا إلزامٌ لا مَفَرَّ لهم عنه عند الإنصاف .
السادس عشر: أنّ هذا الاصطلاح مستحدَث في زمان العلاّمة، أو شيخه أحمد بن طاوس ـ كما هو معلوم ـ وهم معترفون به، وهو اجتهادٌ وظنٌّ منهما، فيَرِدُ عليه جميع ما مرّ في أحاديث الاستنباط والظنّ في كتاب القضاء ۱ وغيره .

1.يعني : في كتاب القضاء من كتابه وسائل الشيعة .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
248

في المذهب، إذ لا مصنِّفَ إلاّ وهو يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل ۱ ، انتهى .
ونحوه كلام الشيخ وغيرُه في عِدَّة مواضع .
الرابع عشر : أنّه يستلزم ضَعْفَ أكثر الأحاديث التي قد عُلم نقْلها من الاُصول المُجْمَع عليها؛ لأجل ضعف بعض رواتها، أو جهالتهم، أو عدم توثيقهم، فيكون تدوينها عبثا، بل محرّما، وشهادتهم بصحّتها زورا وبهتانا.
ويلزم بطلان الإجماع الّذي عُلم دخولُ المعصوم فيه ـ أيضا ـ كما تقدّم، واللوازم باطلة وكذا الملزوم .
بل يستلزم ضعفَ الأحاديث كلّها عند التحقيق، لأنّ الصحيح ـ عندهم ـ ما رواه العدل الإماميّ الضابط؛ في جميع الطبقات .
ولم ينصّوا على عدالة أحدٍ من الرواة إلاّ نادرا، وإنّما نصّوا على التوثيق، وهو لا يستلزم العدالة قطعا، بل بينهما عمومٌ من وجهٍ، كما صرّح به الشهيد الثاني وغيره .
ودعوى بعض المتأخّرين ۲ : أنّ «الثقة» بمعنى «العدل الضابط» ممنوعةٌ، وهو مُطالَبٌ بدليلها .
[ كيف؟ وهم] مصرّحون بخلافها، حيث يوثّقون من يعتقدون فسقَه، وكفرَه، وفسادَ مذهبه .
وإنّما المراد بالثقة: مَن يوثَق بخبره، ويُؤْمَن منه الكذب عادةً، والتتبّع شاهدٌ به، وقد صرّح بذلك جماعةٌ من المتقدّمين والمتأخّرين.
ومن المعلوم ـ الذي لا ريب فيه عند منصفٍ ـ أنّ الثقة تجامع الفسق، بل الكفر، وأصحاب الاصطلاح الجديد قد اشترطوا في الراوي العدالة، فيلزم من ذلك ضعف

1.اُنظر: المعتبر في شرح المختصر : ۶ . وفيه: كما يعمل بخبر الواحد المعدَّل .

2.في هامش النسخة: أي الشيخ محمّد بن الشيخ حسن بن الشهيد الثاني ـ على ما نسبه [ إليه ]المحقّق البهبهانيّ في التعليقة ـ . و هو أيضا رأي الشيخ البهائي ـ رحمه اللّه تعالى ـ اُنظر : مشرق الشمسين : ۴ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7408
صفحه از 640
پرینت  ارسال به