247
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

يتساهل في الأوّل.
والطرق إلى العلم واليقين كانت كثيرةً، بل بقي منها طرقٌ متعدّدة ـ كما عرفت ـ وكلّ ذلك واضحٌ لولا الشبهة والتقليد، فكيف إذا نقل جماعة كثيرة، واتّفقت شهادتهم على النقل والثبوت والصحّة .
وقد وجدتُ هذا المضمون في بعض تحقيقات الشيخ [ محمّد بن ]الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني؛ بخطّه .
العاشر : أنّا كثيرا مّا نقطع في حقّ كثيرٍ من الرواة أنّهم لم يَرْضَوا بالافتراء في رواية الحديث، والذي لم يُعلم ذلك منه [ يُعلم] أنّه طريق إلى رواية أصل الثقة الذي نَقَل الحديث منه، والفائدة في ذكره مجرّد التبرّك باتّصال سلسلة المخاطبة اللسانيّة، ودَفْع تعيير العامّة الشيعةَ بأنّ أحاديثهم غيرُ مُعَنْعَنَةٍ، بل منقولة من أصول قدمائهم .
الحادي عشر : أنّ طريقة القدماء موجبةٌ للعلم، مأخوذة عن أهل العصمة، لأنّهم قد أَمَروا باتّباعها، وقرَّروا العمل بها، فلم يُنكروه، وعمل بها الإماميّة في مدّةٍ تقارب سبعمائة سنةً، [ منها ]ـ في زمان ظهور الأئمّة عليهم السلام ـ قريبٌ من ثلاثمائة سنة .
والاصطلاح الجديد ليس كذلك قطعا، فتعيّن العمل بطريقة القدماء .
الثاني عشر : أنّ طريقة المتقدّمين مباينةٌ لطريقة العامّة، والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامّة واصطلاحهم، بل هو مأخوذٌ من كتبهم، كما هو ظاهرٌ بالتتبّع، وكما يُفهم من كلام الشيخ حسن وغيره، وقد أمرنا الأئمّة عليهم السلامباجتناب طريقة العامّة .
الثالث عشر : أنّ الاصطلاح الجديد يستلزم تخطئة جميع الطائفة المحقّة في زمن الأئمّة عليهم السلاموفي زمن الغيبة ، كما ذكره المحقّق في أصوله حيث قال: أفرط قومٌ في العمل بخبر الواحد .
إلى أن قال: واقتصر بعضٌ عن هذا الإفراط، فقالوا: كلُّ سليم السَنَد يُعمل به .
وما عَلِمَ أنّ الكاذب قد يصْدُق، ۱ ولم يتفطّن أنّ ذلك طعنٌ في علماء الشيعة، وقَدْحٌ

1.وفي المعتبر : أنّ الكاذب قد يلصق، والفاسق قد يصدق .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
246

الثامن : أنّ رئيس الطائفة في كتابَي الأخبار، وغيرَه من علمائنا؛ إلى وقت حدوث الاصطلاح الجديد، بل بعده، كثيرا مّا يطرحون الأحاديث الصحيحة عند المتأخّرين، ويعملون بأحاديث ضعيفةٍ على اصطلاحهم، فلولا ما ذكرناه لَما صدر ذلك منهم عادةً .
وكثيرا مّا يعتمدون على طرقٍ [ ضعيفة، مع تمكّنهم من طرقٍ] أخرى صحيحةٍ، كما صرّح به صاحب المنتقى وغيره، وذلك ظاهرٌ في صحّة [ تلك ]الأحاديث بوجوهٍ أُخَرَ من [ غير ]اعتبار الأسانيد، ودالٌّ على خلاف الاصطلاح الجديد .
وقد قال السيّد محمّد في المدارك ۱ ـ في بحث الاعتماد على أذان الثقة ـ : نَعَمْ، لو فُرض إفادته العلم بدخول الوقت ـ كما قد يتّفق كثيرا في أذان الثقة الضابط الذي يُعلَم منه الاستظهار في الوقت، إذا لم يكن هناك مانعٌ من العلم ـ جاز التعويل عليه قطعا، انتهى .
وصرّح بمثله كثيرٌ من علمائنا في مواضع كثيرة .
التاسع : ما تقدّم من شهادة الشيخ والصدوق والكلينيّ وغيرهم من علمائنا؛ بصحّة هذه الكتب، والأحاديث، وبكونها منقولةً من الاُصول، والكتب المعتمدة .
ونحن نقطع ـ قطعا عاديّا لا شكّ فيه ـ أنّهم لم يكذبوا، وانعقاد الإجماع على ذلك إلى زمان العلاّمة.
والعجب أنّ هؤلاء المتقدّمين، بل مَن تأخّر عنهم ـ كالمحقّق والعلاّمة والشهيدين وغيرهم ـ إذا نقل واحدٌ منهم قولاً عن أبي حنيفة أو غيره من علماء العامّة أو الخاصّة ، أو نقل كلاما من كتابٍ معيَّنٍ، ورجعنا إلى وجداننا؛ نرى أنّه قد حصل لنا العلم بصدق دعواه، وصحّة نقله، لا الظنّ، وذلك علمٌ عاديٌّ، كما نعلم أنّ الجبل لم ينقلب ذهبا، والبحر لم ينقلب دما، فكيف يحصل العلم من نقله عن [ غير] المعصوم، [ ولايحصُل من نقله عن المعصوم] غير الظنّ؟
مع أنّه لايتسامح ولايتساهل مَن له أدنى وَرَعٍ وصلاحٍ في القسم الثاني، وربّما

1.مدارك الأحكام ۳ : ۹۸ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7416
صفحه از 640
پرینت  ارسال به