235
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

مخصِّصا للقاعدة، ألا ترى أنّ العلماء الأخيار ـ مع كمال ورعهم وتقواهم في أمثال المقامات ـ تعرّضوا لأحوال الرجال مدحا وقدحا، وصنّفوا في معرفة أحوال أسانيد الأخبار مصنّفاتٍ ومؤلّفاتٍ مشحونةً بتمييز حال الرواة، وإن أفضى إلى مقام الفضاحة، والمخصِّص في العمومات ليس بعادم النظير .
وثانيا: [ أنّ] بناء العقلاء والقوّة العاقلة ـ بعد ملاحظة لابُدّيّة العمل بأخبار الآحاد ـ على لزوم الفحص والتفتيش في أحوال الرواة، والتمييز بين الصادقة والكاذبة من الأخبار .
وثالثا : بعد تجويز الفحص عن حال الشاهد من المسلمين في مقام المرافعات في الأمور الدنيويّة الغير خطيرة؛ يلزم تجويزه في أحكام الشريعة فيما يتعلّق بأمر الدين، فضلاً عن المقام الذي يكون عليه قوام شريعة سيّد المرسلين وحفظها، وهو ظاهرٌ لا لبس فيه .
ورابعا : لو كان التجسّس المزبور محرّما؛ لزم أن يكون جُلّ المشايخ ـ عياذا باللّه ـ فاسقين، فاللازم باطل والمقدّم مثله .
[ف ] كيف يدّعي الخصم حصول القطع بصدور الأخبار المودَعة في كتب هؤلاء المشايخ، مع أنّ عمدتهم شيخ الطائفة وكلماته في كتاب رجاله و فهرسته مشحونةٌ بذكر أحوال رجال أسانيد الأخبار المودَعة في التهذيب و الاستبصار مدحا وقدحا .
وعنه في كتاب العُدّة: مِن شرط العمل بخبر الواحد؛ العدالة ـ بلا خلافٍ ـ نقله المحقّق البهبهانيّ في أوّل حاشيته على رجال الميرزا محمّد .
والسابع : أنّ الاتّكاء والاتّكال على ما يحتمل الخطأً خطأ وقبيح في نظر العقل ـ مع إمكان تحصيل ما لايحتمل الخطأ، أو ما هو أقلّ خطأً ـ فلابدّ من تحصيل ما يرفع الخطأ أو يقلّله ـ سندا ـ ليزول التزلزل، ويحصل السكون .
أمّا النقل : فأخبارٌ كثيرة :
الأوّل : الرواية المرويّة في الكتب الثلاثة عن أبي عبد اللّه عليه السلام ـ وهي ما ورد في


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
234

ـ على ما عرّفوه ـ بذاته محتملٌ للصدق والكذب، فحصول الظنّ وإيراثه ـ من بعد ملاحظة القرائن الداخليّة والخارجيّة؛ من كون الراوي ثقةً، أو كاذبا، أو غير ذلك ـ من الأمور المذكورة في أحوال المُخْبِر، الخارجة عن نفس الخبر .
فالعقل السليم حاكم بوجوب المراجعة إلى علمٍ يتكفّل بأحوال الرواة، وهو ليس إلاّ علم الرجال.
والرابع: قد ثبت بالتسامع والتظافر أنّ من الرواة مَن هو كذّابٌ ووضّاعٌ ـ كما سيجيئ بيانه مستوفىً ـ فقَبْل معرفة حال السَنَد ـ هل أنّه ثقة حتّى تطمئنّ النفسُ بخبره، أم غير ثقةٍ حتّى لايعتمد عليه ـ يتزلزل في صدوره عن المعصوم عليه السلامقبل الفحص والبحث عن حال المُخْبِر، ومع حصول التزلزل فنسبة الخبر إلى المعصوم عليه السلامقبيحة، والعمل به كذلك، لعدم الاطمئنان الموجب لتحقّق المعرفة، فلابُدّ من العلم أو الظنّ بمعرفة وثاقة المُخْبِر وعدمها، وهو لايُعلم إلاّ بعلم الرجال.
والخامس : أنّ الخروج من التكليف لايتحقّق إلاّ أن يأخذه بالمدارك ، بعد الفحص عن سند الحديث ومتنه ودلالته، ومحلّ الفحص عن الأوّلين لايكون إلاّ في علم الرجال، وبيانه واضح.
والسادس : أنّ بناء العلماء الأعلام، والأكابر والأعيان [ على] اهتمامهم بشأن الرجال وأحوالهم، حتّى جعلوه فنّا برأسه، وصنّفوا فيه مصنّفاتٍ عديدةً، ومؤلّفاتٍ كثيرةً، فلو لم يكن علم الرجال محتاجا إليه للزم كون مشاقّهم لَغْوا، وسعيهم عبثا، لكنّ اللازم باطل فالملزوم مثله .
فإن قلت: لو كان التمييز بين الصحيح والضعيف من الأخبار لازما؛ للزم التجسّس والتفتيش عن سيرة المسلمين، مع ورود النهي عنهما، بل اللازم من القاعدة المستحسنة ستر ما يوجب التفضيح والفضاحة ـ في الأغلب ـ بلا شبهة .
قلت:
أوّلاً : القاعدة المذكورة وإن اقتضت ستر العيوب، إلاّ أنّ الإجماع القطعيّ صار

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7045
صفحه از 640
پرینت  ارسال به