221
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

والأوّل ؛ إنْ بلغ إلى حدّ الوَثاقة؛ يكون الخبر صحيحا، وإن لم يبلغ يُسمّى حَسَنا .
وكذا الثانى؛ إنْ بلغ إلى حدّ الموثَّقيّة يصير الخبر موثَّقا، وإنْ لم يبلغ يكون قويّا .
والمقصود من قولنا: «وما في معناهما» أي: معنى المدح والقدح، ومعنى المدح ما تعلَّق بالمُخْبِر ـ أوّلاً وبالذات ـ وبالرواية والخبر ـ ثانيا وبالعَرَض ـ كما في قولهم: «أجمعت العِصابة على تصحيح ما يصحّ عنه» ـ للإجماع الّذي ادّعاه الكشّيّ في حقّ جماعةٍ كثيرةٍ كحمّاد بن عيسى، وحمّاد بن عثمان، و عبد اللّه بن مُسْكان، وأبان بن عثمان، ومعروف بن خَرَّبُوذ، وأمثالهم من عشرين رجلاً ۱ ـ [ للاتّفاق] على كون هذه العبارة مفيدةً للمدح بالنسبة إلى مَن قيلت في حقّه ـ كما يأتي تحقيقه مفصَّلاً ـ .
والمراد بما في حكم القدح والذمّ؛ سُوء الفهم، وكثرة البَلادة، وقلّة الحافظة، وأمثالها ممّا تقدّم ذِكْره ، فلا حاجة إلى الإظهار بعد التعمّق في مثل معنى «الإهمال» و «الإرسال» .

وأمّا الأمر الثاني : ففي موضوع هذا العلم

اعلم أنّ موضوع كلّ علمٍ ما يُبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة، أي : يُبحث فيه عن المحمولات العارضة لموضوع العلم .
وموضوع هذا العلم: هو الشخص الراوي للأخبار عن الرسول المختار، وعن الأئمّة الأطهار عليهم السلام.
ويُبحث فيه عن العوارض الذاتيّة للرُّواة؛ من الوَثاقة ونحوها من أسباب المدح والقدح .
[ و] اعلم أنّ جماعةً من المحقّقين قد صرَّحوا بأنّ المراد من العَرَض الذاتيّ هو المحمولُ على الموضوع، الخارجُ عنه، الذي يلحقه لذاته أو لأمرٍ يساويه؛ بأنْ لا يحتاج عروضه للشيء إلى واسطة أمرٍ للعروض، سواء تحقّقت واسطةٌ للثبوت أم لا .

1.اُنظر : مجمع الرجال ۱ : ۲۴۸ ـ ۲۸۷ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
220

وما في حكم الضَّعْف ـ وهو أحد الفردَيْن من التثنية في «حُكمهما» ـ كقصور السند ناشئا عن الإرسال، أو الجهل، أو الإهمال؛ بمعنى أنّ كلَّ واحدٍ من هذه الأوصاف في حكم الضَّعْف؛ يصير مَناطا لعدم الاعتماد على الخبر الموصوف بواحدةٍ منها .
وبقولنا : «بمعرفة سنده» خرج صحّة الخبر التي استُفيدت من الخارج؛ كإخبار مُخْبِرٍ صادقٍ، أو عُلِمَ صحّته بالإجماع [ من] الخارج، أو بحديثٍ آخَرَ كقول الصادق عليه السلاملمسلم ۱ بن [ أبي] حيَّة قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلامفي خدمته، فلمّا أردتُ أن أُفارقَه ودَّعتُه وقلت: أُحبُّ أن تُزَوِّدَني ، قال: «ائتِ أبان بن تَغْلِب، فإنّه قد سمع منّي حديثا كثيرا، فما روى لك عنّي فارْوِ عنّي» ۲ ، أي: لاتحتاج أن تقول: روى أبان عن الصادق عليه السلام، بل [ قل] روى الصادق عليه السلام، ۳ [ وهذا] دليلٌ ـ كأمثاله ـ على حُجّيّة خبر الواحد، كما ذُكر في ذيل الرواية ممّا ذيَّلَه شيخنا محمّد التقيّ المجلسي في شرح مشيخة الفقيه. ۴
فلا يُقال في حقّ مَن عَلِمَ بصحّة حديث أبان ـ بهذا النحو الّذي ذكره الإمام عليه السلامـ : إنّه عالمٌ بعلم الرجال، فإنّ العلم بالصحّة لا يُعَدُّ من علم الرجال، إلاّ أن يكون مسبَّبا ومعلوما عن معرفة السند؛ لا عن الخارج، وما يُستفاد من الاعتماد على قول أبان يحصل من الخارج، وهو قوله عليه السلام: «فما روى لك عنّي فارْوِهِ عنّي» فتدبّر .
وقولنا: «ذاتا» أنّ شأن هذا العلم أنْ يتميّز به كُلُّ واحدٍ من الرُّواة عن الآخَر بحسب الاسم والوصف .
[ وقولنا]: «مَدْحا وقَدْحا» أي: يتميّز من حيث الذوات والصفات، والمراد بالمدح الصفات الحَسنة، و[ المراد بالقدْح ]الصفات الذميمة، جَنانا كان أم أركانا. ۵

1.هكذا عند الكشّي، وعند النجاشيّ: سليم .

2.مجمع الرجال ۱ : ۱۷ ـ ۱ : ۲۳، وفي رواية النجاشيّ: فارْوِهِ .

3.أي : عن أبيه، أو عن آبائه عليهم السلام ، أو قال الصادق عليه السلاممن دون ذِكْر الواسطة .

4.روضة المتّقين في شرح كتاب مَن لا يحضره الفقيه ۱۴ : ۲۲ .

5.وأوضح من هذه العبارة عبارةُ الأستر آباديّ في لبّ اللُّباب حيث قال: ودخل بقيد المدح أقسامه المتعلّق بعضها بالجَنان والأركان، سواء بلغ إلى حدّ الوَثاقة ـ كما في صورة صحّة الخبر ـ أم لا ـ كما في صورة حُسْنه ـ وبعضها بالأركان فقط كذلك كما في الموثَّق والقويّ بالمعنى العامّ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7056
صفحه از 640
پرینت  ارسال به