197
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

الندس ذو تتبّع عريض ، و هم في هذا الباب يقدمون الصحيحين للبخاري و مسلم ، ثمّ سنن أبي داود و الترمذي و النسائي ، ثمّ السنن الكبيرة و يحثّون و يحرصون عليه ، و يقولون : لم يصنّف مثله.
ثمّ من المسانيد : مسند أحمد بن حنبل و غيره . ثمّ من العلل : كتابه ، و كتاب الدارقطني . و من الأسماء : تاريخ البخاري ، و ابن أبي خيثمة ، و كتاب ابن أبي حاتم . و من ضبط الأسماء : كتاب ابن ماكولا . و ليعتن بكتب غريب الحديث و شرحه ، وليكن الإتقان من شأنه ، و ليذاكر بمحفوظه ، و يباحث أهل المعرفة و الفطانة و أصحاب الأذهان الثاقبة و الأفكار الصائبة.

خاتمة : في الإشارة إلى جملة من الأُمور

اعلم أنّ لعلماء العامّة جملة أُخرى من المطالب و المسائل في هذا الفنّ قد جعلوا لكلّ واحدة من تلك المسائل عنوانا مستقلاًّ و ساقوا على طرزه كلاما ؛ فإنّى أرى أنّ إسهاب الكلام فيها و في أمثالها ممّا يوجب تضييع الأوقات و مع ذلك أُشير إليها إشارة إجماليّة.
فمن ذلك عنوانهم رواية الأكابر عن الأصاغر ، قالوا : فائدته أن لايتوهّم أنّ المروي عنه أكبر و أفضل لكونه الأغلب ، و من ذلك معرفة الإخوة في الصحابة و التابعين حتّى أنّ بعضهم أفرد بالتصنيف في ذلك.
و من ذلك رواية الآباء عن الأبناء كرواية العباس عن ابنه الفضل ، و من ذلك رواية الأبناء عن الآباء و هو نوعان : أحدهما : عن أبيه فقط ، و الثاني : عن أبيه عن جدّه.
و من اشترك في الرواية عنه اثنان تباعد ما بين وفاتيهما . و قالوا : للخطيب فيه كتاب حسن . ۱ و من فوائد حلاوة علوّ الإسناد مثاله : محمّد بن إسحاق السراج روى عنه

1.سمّاه «كتاب السابق و اللاحق» مقدمة ابن الصلاح : ۱۸۷ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
196

و ليحذر كلّ الحذر من أن يمنعه الحياء و العجب و الكبر من السعى التامّ في التحصيل ، و أخذ العلم ممّن دونه في نسب أو سنّ أو غير ذلك ؛ فإنّ الحكمة ضالّة المؤمن كلّما وجدها أخذها.
ثمّ ليصبر على جفاء شيخه من شتمه إيّاه و الإعراض عنه و طرده ، و ليكثر من الشيوخ كما كانت عليه عادة السلف ؛ فإنّ فوائد الاستكثار كثيرة و بركاته وفيرة حتّى في أمثال الإجازات العامّة و المكاتبات و المناولات ، و لكن ينبغي أن يكون الملحوظ من الاستكثار الفوائد و الأغراض الصحيحة لا مجرّد اسم الكثرة.
و من أعجب الأُمور و أغربها ما ذكر بعض فضلاء العامّة من أنّ أبا سعيد إسماعيل ابن عليّ السماك الرازيّ الحافظ الكبير الرجالي صاحب التصانيف قيل : إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ لم ير مثل نفسه ، و هو القائل : من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام . ۱ توفّي سنة ۴۴۴ه .
ثمّ ليكتب و ليسمع ما يقع له من كتاب أو جزء بكماله و لاينتخب ، فإن احتاج إليه تولاّه بنفسه فإن قصر عنه استعاره بحافظ ثقة و نحوه.
و لاينبغي أن يقتصر على سماعه و كتبه دون معرفته و فهمه فليتعرّف صحّته و ضعفه و فقهه و معانيه و لغته و إعرابه مطلقا و دقائق المعارف و رقائق الحكم في الأخبار المتعلّقة بأُصول العقائد و الحكمة النظريّة و العملية و ما يتعلّق بأسماء رجاله محقّقا كلّ ذلك معتنّيا بإتقان المشكلات و المعضلات في كلّ باب حفظا و كتابة ، مقدّما كتب المحمدين الثلاثة ثقة الإسلام الكليني و الصدوق و شيخ الطائفة و من يحذو حذوهم ـ رضي اللّه عنهم ـ ثمّ ما تمسّ إليه الحاجة من أيّ عالم و محدّث كان من علمائنا و محدّثينا .
ثمّ إنّ في تتبّع كتب الأحاديث من العامّة فوائد كثيرة و عوائد وفيرة من إلزامهم و إفحامهم و زيادة البصيرة في أمر السلف و نحو ذلك ، و لم يذق حلاوة ذلك إلاّ النطس

1.العبر في خبر من غبر ۳ : ۲۱۱ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7259
صفحه از 640
پرینت  ارسال به