153
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

و ربّما يقال : إنّه يقابل الموثّق و القويّ كليهما فقط.
و بالجملة : فإنّ القول بتربيع الأقسام بإسقاط القسم الرابع من البين كالقول بإدراجه تحت الحسن ؛ نظرا إلى أنّ عدم الذمّ مرتبة ما من مراتب المدح ، ممّا ليس في محلّه.
نعم ، يمكن أن يقال : إنّ ديدن علماء الرجال في الإهمال ليس على نمط واحد ؛ فإنّ إهمال النجاشيّ رحمه اللهممّا يفيد المدح فكأنّ ذلك قد صار كالعادة منه ، فهذا ممّا لايخفى على الآخذ بمجامع كلماته ؛ فتأمّل.
تذييل : في الإشارة إلى بعض الأُمور المهمّة.
فاعلم أنّ علماء العامّة قد اعتبروا في حدّ الصحيح سلامته عن الشذوذ و العلّة ، و كونه مروي من يكون مع العدالة ضابطا . و بالجملة : فإنّ حدّه عندهم كما مرّت إليه الإشارة ـ هو ما اتّصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ و لا علّة.
و قد عبّر بعضهم بما يقرب من ذلك ، و هو أنّ خبر الآحاد بنقل عدل تامّ الضبط متّصل السند غير معلّل و لا شاذّ هو الصحيح لذاته.
و قال بعد ذكر العزيز ـ و هو أن لايرويه أقلّ من اثنين عن اثنين سمّي بذلك إمّا لقلّة وجوده و إمّا لكونه عزّ أي قوي بمجيئه من طريق اُخرى ـ : إنّ ذلك ليس شرطا للصحيح خلافا لمن زعمه ، و هو أبو علي الجُبّائي من المعتزلة ، و إليه مال كلام الحاكم أبي عبد اللّه في كتابه المسمّى بعلوم الحديث حيث قال ، الصحيح أن يرويه الصحابي الزائل عنه اسم الجهالة بأن يكون له راويان ، ممّن يتداوله أهل الحديث إلى وقتنا كالشهادة على الشهادة» . ۱
و صرّح القاضي أبو بكر بن العربي في شرح البخاري بأنّ ذلك شرط البخاري ۲ و اعترض على ذلك بأنّ رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي ممّا لايوجد أصلاً.

1.معرفة علوم الحديث : ۶۲ بتفاوت يسير.

2.نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر : ۴۵ و ۴۴.


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
152

طبقة ما ـ من ليس بممدوح و لا مذموم مع سلامته عن فساد العقيدة .
و كثيرا ما يطلق القويّ على الموثّق لكن هذا الاسم بهذا القسم أجدر و هو به أحقّ ، فلولا ذلك بأن بنى الأمر على الاصطلاح الأشهر لزم إمّا إهمال هذا القسم أو تجشّم احتمال مستغنى عنه في التسمية بإحداث اسم آخر يوضع له غير تلك الأسماء ؛ فإنّه قسم آخر برأسه مباين لتلك الأقسام ، فلا يصحّ إدراجه في أحدها و لا هو بشاذّ الحصول نادر التحقيق حتّى يسقط من الاعتبار رأسا ، بل إنّه متكرّر الوجود متكثّر الوقوع جدا ، و ذلك مثل السّمان ، و نوح بن درّاج ، و ناجية بن عمارة الصيداوي ، و أحمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري ، و أضرابهم و أترابهم و هم كثيرون.
ثمّ إنّ بعض الأجلّة قد ذكر أنّ الشهيد في الذكرى بعد إيراد الموثّق و ذكر إطلاق اسم القويّ عليه قال : «و قد يراد بالقويّ مرويّ الإمامي غير المذموم و لا الممدوح ، أو مرويّ المشهور في التقدّم غير الموثّق ، يعنى به المشهور التقدّم غير الموثّق و لا الإمامي ، فيكون هذا القسم بالنسبة إلى الموثّق كالحسن بالنسبة إلى الصحيح . و في عدّة نسخ معوّل على صحّتها مكان «غير الموثّق» «عن الموثّق» و على هذه النسخة فالمشهور بالتقدّم يعنى به الإمامي المشهور تقدّما.
قلت : إن كان المشهور في التقدّم ممّن نقل أحد من أئمّة التوثيق و التوهين إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، فمرويّه عن الموثّق مندرج في الصحيح و إلاّ فذلك يندرج في الموثّق ، و إن كان هو عدلاً إماميّا و الطريق إليه صحيحا ، فلم يحصل قسم آخر خارج عن الأقسام الثلاثة السابقة إلاّ مرويّ الإمامي غير المذموم و لا الممدوح فهو الأجدر باسم القويّ لاغير» ۱ هذا كلامه فخذه بمجامعه و لاتغفل .
ثمّ القسم الخامس : الضعيف فهو ما لايستجمع فيه شروط أحد الأربعة المتقدّمة بأن يشتمل طريقه على مجروح بالفسق أو بالكذب أو بالحكم عليه بالجهالة أو بأنّه وضّاع أو بشيء من أشباه ذلك فهو مقابل الصحيح و الحسن و الموثّق و القويّ جميعا .

1.الرواشح السماوية : ۴۳ و ۴۲ بتفاوت يسير.

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7116
صفحه از 640
پرینت  ارسال به