127
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

و بعض آخر من فضلاء العامّة بعد أن عنون المدلّس و المعنعن و المؤنّن عنوانا واحدا قال : «إنّ تدليس الإسناد ممّا يضعّف به الحديث إجماعا . و الصحيح أنّ حكمه حكم المرسل.
و أمّا الحديث المعنعن ، و هو الذي وقع في الإسناد ، «حدّثنا فلان عن فلان» فقد جعله بعض الناس مرسلاً.
و الصواب التفصيل ، فمتى أمكن اللقاء و برئا من التدليس كان متّصلاً ، و قد وقع منه في الصحيحين كثير ، فلذلك يكون ما روي به على سبيل الإجازة عند من يصحّح الرواية بالإجازة متّصلاً .
و أمّا المؤنّن و قد يقال : المؤنّان ، و هو ما كان في إسناده «حدّثنا فلان ، أنّ فلانا قال» ، و الجمهور على أنّه مثل المعنعن» ۱ انتهى كلامه.
فإن قلت : ما تقول فيما ذكره البعض في المقام قائلاً : «إنّ الفرق بين المدلّس و المرسل الخفي دقيق يحصل تحريره بما ذكر هاهنا ، و هو أنّ التدليس يختصّ بمن روى عمّن عرف لقاؤه إيّاه ، فأمّا إن عاصره و لم يعرف أنّه لقيه فهو المرسل الخفي . و من أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ولو بغير لقاء لزمه دخول المرسل الخفي في تعريفه ، و الصواب : التفرقة بينهما.
و يدلّ على أنّ اعتبار اللقاء في التدليس دون المعاصرة وحدها لابدّ منه إطباق أهل العلم بالحديث على أنّ رواية المُخَضْرَمين كأبي عثمان النهدي و قيس بن أبي حازم عن النبيّ صلى الله عليه و آله من قبيل الإرسال لا من قبيل التدليس ، ولو كان مجرّد المعاصرة يكتفى به في التدليس لكان هؤلاء مدلِّسين ؛ لأنّهم عاصروا النبيّ صلى الله عليه و آلهقطعا و لكن لم يعرف هل لقوه أم لا؟ و ممّن قال باشتراط اللقاء في التدليس الشافعي و أبو بكر البزّاز ، و كلام الخطيب في الكفاية يقتضيه و هو المعتمد .» ۲

1.لم نظفر على قائله .

2.نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر : ۸۳ و ۸۲ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
126

التي تلي مبدأ الإسناد» . ۱
القسم الثاني : تدليس الشيوخ ، أي ما يقع في الشيوخ لا في الإسناد ، و هو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه و لكن لايحبّ أن يعرف فيسمّيه باسم أو يكنّيه بكنية هو غير معروف بهما ، أو ينسبه إلى بلد أو حيّ لايعرف انتسابه إليهما ، أو يصفه بما لايعرف به كي لايعرف.
القسم الثالث : ما يقع في مكان الرواية ، مثل : «سمعت فلانا وراء النهر» أو «حدّثنا بما وراء النهر» موهما أنّه يريد بالنهر مثلاً جيحان أو جيحون و إنّما يريد بذلك نهرا آخر .
فهذا القسم من التدليس أخفّ ضررا من القسمين الأوّلين ، ثمّ الثاني منهما أخفّ من الأوّل، [و هو] مكروه جدّا ، و ذمّه أكثر العلماء ، و كان شعبة في علماء العامّة من أشدّهم ذمّا له.
قال بعض العامّة بعدِ حصره التدليس في القسمين الأوّلين : «أمّا الأوّل فمكروه جدّا ذمّه أكثر العلماء» ثمّ قال فريق منهم : من عرف به صار مجروحا مردود الرواية و إن بيّن السماع و الصحيح التفصيل ، فما رواه بلفظ محتمل لم يبيّن فيه السماع فمرسل ، و ما بيّنه فيه ك «سمعت» و «حدّثنا» و «أخبرنا» و شبهها فمقبول محتجّ به . و في الصحيحين و غيرهما من هذا الضرب كثير ، كقتادة ، و السفيانين ، و غيرهم .
و هذا الحكم جار فيمن دلّس مرّة ، و ما كان في الصحيحين و شبههما عن المدلّسين ب «عن» محمول على ثبوت السماع من جهة أُخرى .
و أمّا الثاني فكراهته و سببها توعير طريق معرفته ، و يختلف الحال في كراهته بحسب غرضه ككون مغيّر السمة ضعيفا ، أو صغيرا ، أو متأخّر الوفاة ، أو سمع منه كثيرا فامتنع من تكراره على صورةٍ ، و تسمح الخطيب و غيره بهذا» . ۲

1.الرواشح السماوية : ۱۸۶ بتفاوت في بعض الألفاظ .

2.التقريب : ۳۳ و ۳۲ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7312
صفحه از 640
پرینت  ارسال به