125
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

و قال الحافظ أبو عمرو : «المدبّج من رواية الأقران بعضهم عن بعض و هم المتقاربون في السنّ و الإسناد . و ربّما اكتفى الحاكم أبو عبد اللّه فيه بالتقارب في الإسناد و إن لم يوجد [التقارب] في السن» .
قال : و رواية القرين عن مثله تنقسم أقساما : فمنها : المدبّج ، و هو أن يروي القرينان كلّ واحد منهما عن الآخر . مثاله في الصحابة : عائشة و أبو هريرة ، و في التابعين : الزهري و عمر بن عبد العزيز ، و في أتباع التابعين : مالك و الأوزاعي.مقدمة ابن الصلاح : ۱۸۳ و ۱۸۲ .
هذا ، و أنت خبير بأنّ مقتضى التحقيق الصِّرف هو أنّ النسبة بين رواية الأقران و بين المقارضة و التدبيج نسبة الأعمّ من وجه ، فلا يشترط في التدبيج القرينيّة فيما مرّت إليه الإشارة فخذ الكلام بمجامعه و تأمّل .
و منها : المدلّس ـ أي بفتح اللام المشدّدة ـ من التدليس أي إخفاء العيب و كتمانه ، و أصله من الدَلَس ـ بالتحريك ـ بمعنى الظلمة أو اختلاط الظلام .
ثمّ إنّ التدليس ممّا يختصّ بالإسناد ، و إطلاق المدلّس على الحديث على سبيل التجوّز ، و لذلك إذا قيل : حديث مدلّس ، فلا يعنى به إلاّ القسم الأوّل من التدليس ، و هو تدليس الإسناد بأن يروي عمّن عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه ، قائلاً : «قال فلان» أو «عن فلان» و نحوه ، و ربما لم يسقط شيخه و أسقط غيره ضعيفا أو صغيرا تحسينا للحديث.
قال بعض الأجلّة : «و من حقّ من يدلّس حتّى يكون مدلّسا لا كذّابا أن لايقول في ذلك : «حدّثنا» و لا «أخبرنا» و نحو ذلك بل يقول : «عن فلان» ، أو «قال فلان» و نحو ذلك ك «حدّث» أو «أخبر فلان» من غير أن يلحق به ضمير المتكلّم ؛ ليوهم أنّه حدّثه أو أخبره ، و العبارة أعمّ من ذلك لاحتمالها الواسطة بينهما فلايصير بذلك كذّابا .
و ربما لم يكن تدليسه في صدر السند ـ و هو شيخه الذي أخبره ـ بل في الطبقة


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
124

بمعنى من إليه ينتهي إسناد المتن مبتدأ روايته في آخر الإسناد و إنّما آخر السند هو الصحابي لا غير ، نعم لو كان المتن في مثل ذلك المسلسل حديثا قدسيّا اتّجه ما قالوا و اتّضح الوهم. ۱ هذا ، فتأمّل جيدا .
و منها : رواية الأقران ، فهذا بأن تشارك الراوي و من روى عنه في أمر من الأُمور المتعلّقة بالرواية في السنّ و الإسناد و اللقاء ، و هو الأخذ عن المشايخ الذين هم في طبقة واحدة.
و منها : المدبّج ، و هو أن يروي كلّ واحد منهما ـ أي من القرينين ـ عن الآخر و هو أخصّ من السابق ، فكلّ مدبّج أقران و ليس كلّ أقران مدبّجا .
قيل : قد صنّف الدارقطني في ذلك، ۲ و صنّف أبو الشيخ الأصفهاني في الأقران. ۳
و قد يقال : للتدبيج المقارضة أيضا ، و قد أشبعنا الكلام في ذلك في مقام ذكر الأُصول و القواعد المتقنة في علم الرجال.
قيل : و إذا روى الشيخ عن تلميذه صدق أنّ كلاًّ منهما يروي عن الآخرة فهل يسمّى مدبّجا؟ فيه بحث ، و الظاهر لا ؛ لأنّه من رواية الأكابر عن الأصاغر ، و التدبيج مأخوذ من ديباجتي الوجه ، فيستضيء من هذا أن يكون ذلك مستويا من الجانبين ، فلا يجيء فيه.
هذا ، و أنت خبير بما فيه من التعسّف ، و الحقّ تمشية المقارضة و التدبيج في هذه الصورة أيضا .
قال بعض فضلاء العامّة : المدبّج و هو الحديث الذي يروي القرين عن مثله ، و يكون ذلك المرويّ عنه قد روى ذلك عن القرين. ۴

1.الرواشح السماويّة : ۱۶۰ .

2.أي في المدبّج . نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر : ۱۱۶.

3.المصدر السابق.

4.معرفة علوم الحديث : ۲۱۵ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7028
صفحه از 640
پرینت  ارسال به