و قال الحافظ أبو عمرو : «المدبّج من رواية الأقران بعضهم عن بعض و هم المتقاربون في السنّ و الإسناد . و ربّما اكتفى الحاكم أبو عبد اللّه فيه بالتقارب في الإسناد و إن لم يوجد [التقارب] في السن» .
قال : و رواية القرين عن مثله تنقسم أقساما : فمنها : المدبّج ، و هو أن يروي القرينان كلّ واحد منهما عن الآخر . مثاله في الصحابة : عائشة و أبو هريرة ، و في التابعين : الزهري و عمر بن عبد العزيز ، و في أتباع التابعين : مالك و الأوزاعي.مقدمة ابن الصلاح : ۱۸۳ و ۱۸۲ .
هذا ، و أنت خبير بأنّ مقتضى التحقيق الصِّرف هو أنّ النسبة بين رواية الأقران و بين المقارضة و التدبيج نسبة الأعمّ من وجه ، فلا يشترط في التدبيج القرينيّة فيما مرّت إليه الإشارة فخذ الكلام بمجامعه و تأمّل .
و منها : المدلّس ـ أي بفتح اللام المشدّدة ـ من التدليس أي إخفاء العيب و كتمانه ، و أصله من الدَلَس ـ بالتحريك ـ بمعنى الظلمة أو اختلاط الظلام .
ثمّ إنّ التدليس ممّا يختصّ بالإسناد ، و إطلاق المدلّس على الحديث على سبيل التجوّز ، و لذلك إذا قيل : حديث مدلّس ، فلا يعنى به إلاّ القسم الأوّل من التدليس ، و هو تدليس الإسناد بأن يروي عمّن عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه ، قائلاً : «قال فلان» أو «عن فلان» و نحوه ، و ربما لم يسقط شيخه و أسقط غيره ضعيفا أو صغيرا تحسينا للحديث.
قال بعض الأجلّة : «و من حقّ من يدلّس حتّى يكون مدلّسا لا كذّابا أن لايقول في ذلك : «حدّثنا» و لا «أخبرنا» و نحو ذلك بل يقول : «عن فلان» ، أو «قال فلان» و نحو ذلك ك «حدّث» أو «أخبر فلان» من غير أن يلحق به ضمير المتكلّم ؛ ليوهم أنّه حدّثه أو أخبره ، و العبارة أعمّ من ذلك لاحتمالها الواسطة بينهما فلايصير بذلك كذّابا .
و ربما لم يكن تدليسه في صدر السند ـ و هو شيخه الذي أخبره ـ بل في الطبقة