111
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

و تعريفه عند الأكثر ما رواه الثقة مخالفا للناس ، أي لها رواه جملة من الناس . و قد ينسب هذا التعريف إلى الشافعي و جماعة من علماء الحجاز و هذا معنى قول الشافعي : «ليس الشاذّ من الحديث أن يروي الثقة ما لايروي غيره ، إنّما الشاذّ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس» . ۱
و قيل : هو عند حفّاظ الحديث عبارة عمّا ليس له إلاّ إسناد واحد ، شذّ به شيخ من شيوخ الحديث ، ثقة أو غير ثقة ، فما كان من غير ثقة فمتروك . و قد يقال له الحديث المنكر و غير المعروف أيضا ، و قد يحكى عن الحاكم أنّه عبارة عمّا انفرد به ثقة و ليس له أصل بمتابع. ۲
و ما ذكره مشكل بإفراد العدل الضابط كحديث «إنّما الأعمال .. .» ۳ و «النهي عن بيع الولاء» ۴ و غير ذلك ممّا في الصحيح.
و بالجملة : فإنّ ما عن الثقة فممّا اختلف فيه ، فمنهم من يردّه أيضا مطلقا ، نظرا إلى شذوذه ، و منهم من يقبله مطلقا تعويلاً على عدالة راويه ، و منهم من يفصل القول فيه بأنّه إن كان مفرده مخالفا لمن أحفظ منه و أوثق و أضبط كان شاذّا مردودا ؛ و إن لم يخالف فإن كان عدلاً حافظا موثوقا بضبطه كان مفرده صحيحا ، و إن لم يوثق بضبطه و لم يبعد عن درجة الضابط كان حسنا ، و إن بعد كان شاذّا منكرا مردودا .
و بعبارة أُخرى : أنّ الشاذّ المردود هو الفرد المخالف ، و الفرد الذي ليس في راويه من الثقة و الضبط ما يجبر به تفرّده. ۵

و منها : المنكر .

1.مقدمة ابن الصلاح : ۶۱ .

2.نفس المصدر : ۶۲ .

3.قد مرّ تخريجه آنفا .

4.الموطّأ ۲ : ۷۸۲ ؛ مسند أحمد ۲ : ۹ ؛ صحيح البخاري ۳ : ۱۲۰ ؛ صحيح مسلم ۴ : ۲۱۶ ؛ سنن النسائي ۷ : ۳۰۶ ؛ سنن الدارمي ۲ : ۲۵۶ .

5.مقدمة ابن الصلاح : ۶۳ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
110

و ابن الصهاك الحبشيّة، ۱ فحينئذٍ لايدخل في حدّ الغرابة أصلاً.
و منها : غريب الحديث ـ أي الغريب لفظا أو فقها ، لا متنا و إسنادا ـ فهو ما اشتمل متنه على لفظه غامضة بعيدة عن الفهم لقلّة شيوعه في الاستعمال ، فهذا فنّ مهمّ شريف خطير و الخوض فيه صعب ، فيجب أن يكون الخائض عزيز البضاعة ، عريض التتبّع في فنون الأخبار و غيرها ، و كان السلف يتثبّتون فيه أشدّ تثبّت ، و لأجل ذلك قد أكثر العلماء التصنيف فيه.
قيل : أوّل من صنّف فيه النضر بن شميل ، و قيل : أبو عبيدة مَعمَر بن المثنى ۲ تلميذ أبان بن عثمان من أصحاب الصادق و الكاظم عليهماالسلام ، و قد صنّف بعدهما أبوعبيدة فاستقصى و أجاد ، ثمّ ابن قتيبة ما فات أبا عبيد ، ثمّ الخطّابي ما فاتهما ، فهذه أُمّهاته ثمّ بعدها كتب كثيرة فيها زوائد و فوائد كثيرة ، و لايقلد منها إلاّ ما كان مصنّفوها حذقة أجلّة ، و أجود تفسيره ما جاء في رواية ، و ممّن تصدّى لذلك ابن الأثير في النهاية ، و الزمخشري في الفائق ، و الهروي في غريبي القرآن و الحديث .
و كيف كان فإنّ ذلك كما يوجد في الأدعية و الخطب و أحاديث الاعتقادات و نحو ذلك . فكذا يوجد في الأخبار المتضمّنة للأحكام الفرعيّة .
و بالجملة : فإنّ التحرّي و التثبّت ممّا يجب على الخائض فيه ، ولو كان شعلة الذكاء و وارث محاسن العلماء .
قيل : سئل أحمد بن حنبل عن حرف من غريب الحديث ، قال : «سلوا أصحاب الغريب ؛ فإنّي أُكره أن أتكلّم في قول رسول اللّه صلى الله عليه و آلهبالظنّ» . ۳

و منها : الشاذّ .

1.دعائم الإسلام ۱ : ۱۵۶ ؛ الرواشح السماوية ۱۳۲ .

2.مقدّمة ابن الصلاح : ۱۶۴ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6986
صفحه از 640
پرینت  ارسال به