109
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

يقبل لعدالته و ضبطه إذا انفرد بحديث سمّي غريبا ، و إن رواه عنه اثنان أو ثلاثة فهو المسمّى عزيزا ، و إن رواه عنه جماعة كان من الذي يسمّى مشهورا.
و ينقسم الغريب مطلقا إلى صحيح و غيره ، و هذا هو الغالب في الغرائب ، و إليها أشار أحمد من العامّة بقوله : «لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنّها مناكير و عامّتها من الضعفاء» . ۱
و ينقسم أيضا إلى غريب متنا و إسنادا . فهذا متن غير معروف إلاّ عن واحد تفرّد بروايته ، و إلى غريب إسنادا لا متنا ، كحديث معروف المتن عن جماعة من الصحابة أو من في حكمهم إذا انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر مثلاً غيرهم ، و يعبّر عنهم بأنّه غريب من هذا الوجه . و منه غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة غير الشواذ.
و قد يطلق الغريب . فيقال : هذا حديث غريب ، و يراد منه ما غرابته من حيث التمام و الكمال في بابه ، أو غرابة أمره في الدقّة و المتانة و اللطافة و النفاسة ، و لا سيّما إذا ما قيل : حسن غريب.
ثمّ إنّ بعض العامّة قد ذكر أنّه لايوجد غريب متنا لا إسنادا من جهة واحدة بل بالنسبة إلى جهتين ، و ذلك مثل حديث «إنّما الأعمال بالنيّات» ۲ فإنّه غريب في أوّله مشهور في آخره. ۳
هذا ، و لايخفى عليك أنّ هذا الحديث قد عدّه كثير من العلماء ـ ممّا ذكره هذا البعض ـ و قيل : إنّه رواه عن يحيى بن سعيد أكثر من مائتي راوٍ ، و يحكى عن أبي إسماعيل الهروي أنّه كتبه من سبعمائة طريق عن يحيى بن سعيد. ۴ و قد ذكر جمع أنّه قد رووه عن أمير المؤمنين عليه السلام و عن جمع من الصحابة كأنس و أبي سعيد الخدري

1.مقدمة ابن الصلاح : ۱۶۳ .

2.صحيح البخاري ۱ : ۲ ؛ سنن ابن ماجة ۲ : ۱۴۱۳ ؛ سنن أبي داوود ۱ : ۴۹۰ ، ح ۲۲۰۱ .

3.ليس في «ب» من «أكثر من مئتي ـ يحيى بن سعيد».


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
108

في أوّله و تارةً في أثنائه و تارةً في آخره و هو الأكثر ؛ لأنّه يقع بعطف جملة على جملة ، أو بدمج موقوف من كلام الراوي بمرفوع من كلام النبيّ صلى الله عليه و آله أو الأئمّة عليهم السلاممن غير فصل.
و يدرك الإدراج بورود رواية مفصّلة للقدر المدرج ممّا أدرج فيه ، أو بالتنصيص على ذلك من الراوي أو من بعض الحذقة المطّلعين ، أو باستحالة كون النبيّ صلى الله عليه و آله أو الأئمّة عليهم السلام أن يقولوا ذلك.
إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ المثال للمدرج المتن ما في طرق العامّة عن أبي هريرة قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار» الحديث؛ ۱ فإنّ هذا التدريج قد علم بما جرّح به البخاري ، و ذلك حيث روي عن أبي هريرة «قال : أسبغوا ، فإنّ أبا القاسم صلى الله عليه و آله قال : ويل للأعقاب من النار» . ۲
و من المثال لذلك أيضا ما عن سعيد بن أبي مريم ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أنس ، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «لاتباغضوا و لاتحاسدوا و لاتدابروا و لاتنافسوا» الحديث، ۳ فقوله : «لاتنافسوا» أدرجه ابن مريم من متن حديث آخر رواه مالك ، عن أبي زياد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة و فيه : «لاتجسّسوا و لاتحسّسوا و لاتنافسوا و لاتحاسدوا .» ۴
هذا ، و أنت خبير بأنّ كلا الحديثين متّفق عليه عند العامّة و قد صنّف جمع من علماء العامّة كتبا في المدرج فقيل : في شأن ما كتبه الخطيب أنّه شفى و كفى. ۵

و منها : الغريب و العزيز .

فاعلم أنّه قد قرّر عند حذقة هذه الصناعة أنّ العدل الضابط ممّن يجمع حديثه و

1.قد رواه عن عبد اللّه بن عمرو مسند أحمد ۲ : ۱۶۴ و ۱۹ .

2.صحيح مسلم ۱ : ۱۴۸ ؛ سنن الدارمي ۱ : ۱۷۹ باب ويل للأعقاب من النار.

3.مسند احمد ۲ : ۳۹۳ ؛ صحيح مسلم ۸ : ۸ .

4.صحيح مسلم ۸ : ۱۰ .

5.فقد سمّاه «الفصل للوصل المدرج في النقل» . مقدمة ابن الصلاح : ۷۷ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7218
صفحه از 640
پرینت  ارسال به