59
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

لكنّهم قالوا : هذا قد صحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله و رآه و سمع منه ، فأخذوا منه و هم لايعرفون حاله . و قد أخبر اللّه تعالى عن المنافقين بما أخبره ، و وصفهم بما وصفهم ، فقال عزّ وجلّ : «وَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَ إِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ» ۱ ثمّ بَقوا بعده فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة و الدعاة إلى النار بالزور و الكذب و البهتان فولّوهم الأعمال ، و حملوهم على رقاب الناس ، و أكلوا بهم الدنيا ، و إنّما الناس مع الملوك و الدنيا إلاّ من عصمه اللّه سبحانه ؛ فهذا أحد الأربعة.
و رجلٌ سمع من رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيئا ، لم يحمله على وجهه ، و وَهِم فيه ، و لم يَتَعَمَّدْ كذبا ، فهو في يده يقول به و يعمل به و يرويه ، و يقول : أنا سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فلو علم المسلمون أنّه و هم لم يقبلوه ، و لو علم هو أنّه وَهْمٌ لَرفضه .
و رجل ثالث : سمع من رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيئا أمر به ، ثمّ نهى عنه ، و هو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شيءٍ ثمّ أمر به ، و هو لايعلم ، فحفظ منسوخه و لم يحفظ الناسخ ، فلو علم أنّه منسوخ لرفضه . ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه .
و رجل رابع لم يكذب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، مبغض للكذبِ خوفا من اللّه و تعظيما لرسول اللّه صلى الله عليه و آله لم ينسه ، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به كما سمع ، لم يزد فيه و لم ينقُص منه . و علم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ و رفض المنسوخ . فإنّ أمر النبيّ صلى الله عليه و آله مثلُ القرآنِ ناسخٌ و منسوخ ، و خاصٌّ و عامٌّ ، و محكم و متشابه . و قد كان يكون من رسول اللّه صلى الله عليه و آله الكلامُ له وجهان : كلامٌ عامٌّ و كلامٌ خاصّ مثل القرآن ، و قال اللّه عزّ وجلّ في كتابه «مَآ ءَاتَـلـكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَـلـكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ» ۲ فيشتبه على من لم يعرف و لم يدر ما عنى اللّه به و رسوله صلى الله عليه و آله ، و ليس كلّ أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آلهكان يسأله عن شيءٍ فيفهم ، و كان منهم [مَن] ۳ يسأله و لايستفهمه حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيئ الأعرابيّ و الطّارئُ، فيسأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى يسمعوا.

1.المنافقون : ۶۳ / ۴ .

2.الحشر : ۵۹ / ۷ .

3.الزيادة من المصادر.


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
58

فهذه الفرق الخمسة و نحوها ، ليسوا من فرق الشيعة في شيء بل الشيعة براء منهم ، لعنهم اللّه تعالى .

الخاتمة

في علل اختلاف الحديث

و أمّا الخاتمة :

فقد روى ثقة الإسلام ـ قدّس اللّه روحه ـ في الكافي في باب اختلاف الحديث ما هذا لفظه :
عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم بن قيس الهلالي قال : قلت لأمير المؤمنين عليه السلام : إنّي سمعت من سلمان و المقداد و أبيذرّ شيئا من تفسير القرآن و أحاديث عن النبيّ صلى الله عليه و آله غير ما في أيدي الناس ، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، و رأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن و من الأحاديث عن نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله أنتم تخالفونهم فيها ، و تزعمون أن ذلك كلّه باطل ؛ اَفَتَرى الناس يكذبون على رسول اللّه صلى الله عليه و آلهمتعمّدين ، و يفسّرون القرآن بآرائهم؟
قال : فأقبل عليّ عليه السلام فقال : «قد سألت فافهم الجواب :
إنّ في أيدي الناس حقّا و باطلاً ، و صدقا و كذبا ، و ناسخا و منسوخا ، و عامّا و خاصّا ، و محكما و متشابها ، و حفظا و وهما ، و قد كُذِب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله في عهده حتّى قام خطيبا فقال : أيّها الناس قد كَثُرَتْ عليّ الكِذابة . فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار.
ثمّ كُذب عليه من بعده ، و إنّما أتاكم الحديث من أربعةٍ ليس لهم خامس :
رجلٌ منافق يُظهر الإيمان متصنِّع بالإسلام ، لايتأثّم و لايتحرّج أن يكذب على رسول اللّه صلى الله عليه و آلهمتعمّدا ؛ فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه و لم يصدِّقوه ، و

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7229
صفحه از 640
پرینت  ارسال به