395
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

البيت ، و مخالتُها لعموم نصّ الكتاب ، لا كونُها من أخبار الآحاد . و عدم الاجتزاء بشهادة العدل مستنده أمر الشارع لا عدم إفادتها الظنَّ كالقياس.
و أمّا النهي عن العمل بالظنّ ـ كما في قوله تعالى : «وَ لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِى عِلْمٌ» ۱ و «إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ» ۲ «إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْـ?ا» ۳ ـ فممّا يختصّ بأُصول الدين دون فروعه . على أنّ الأوّل خطاب شفاهيّ يحتمل اختصاصه بالنبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، و الثاني تخاطُبٌ بالمشركين العاملين بالظنون في أُصول الدين و إفحامُهم بالفروع قبل الأُصول ممّا لا يقبله الطبع السليم و الفهم المستقيم.
و لو أعرضنا عن ذلك كلّه ، فلاريب في أنّ أمثال ذينك محمولة على ما كان حصول العلم فيه ممكنا ، و أمّا بدونه فلا .
و بالجملة ، فأمثال «لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا» ۴ و «مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» ۵ و «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» ۶ تُخصِّصها ۷ بما دون زمننا ، و العملُ بالخاصّ مقدّم على العمل بالعامّ ، و اللّه سبحانه عالم بحقائق الأحكام.
(و) عوّل شيخنا (الشيخ) أبو جعفر الطوسي شيخ الطائفة المفلحة (على أنّ غير المتواتر) من الأخبار لايخلو من أمرين :
(فإن اعتضد بقرينة) مجدية للعلم بصدوره من المعصوم ، (أُلحق بالمتواتر في إيجاب العلم و وجوب العمل) قطعا .
(و إلاّ ، فيسمّيه خبرَ آحاد ، و يجيز العمل به تارة) إذا تحقّق فيه شرائطُ عديدة ، (و يمنع أُخرى) إذا كان فاقدا لتلك الشرائط،و هي (على تفصيلٍ ذكره في) صدر (الاستبصار، فطَعْنه

1.الاسراء : ۳۶ .

2.الأنعام : ۱۴۸ .

3.يونس : ۳۶ .

4.البقرة : ۲۸۶ .

5.الحج : ۷۸ .

6.البقرة : ۱۸۵ .

7.الضمير راجع إلى الآيات المانعة .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
394

حيث لا يشعر ، فافترى ، أو تحرّج الكذب بلا عمد ، و احتمالُ عدم مدخليّة العلم و المعرفة و الاعتقاد لغةً و مدخليّتِه شرعا و اصطلاحا ، فممّا يكذّبه أصالة عدم النقل ؛ فتأمّل .
و كيفما كان ، فتحقّق الصدق و حصول العلم به (في) الخبر (المتواتر) مجزوم (مقطوع) به عند كافّة العقلاء ، و قد مرّ بعض الكلام فيه فيما مرّ ؛ فتذكّر .
(و المنازع مكابرٌ) مقتضى عقله .
و أمّا الصدق (في الآحاد الصحاح) فهو (مظنون) غير مجزوم ، و أخبار الكتب الأربعة و غيرها سَواء بَواء في إفادة ظنّ الصدق دون القطع.
(و قد عمل به المتأخّرون) لأجل ما ذكرنا ، حيث انسدّ باب العلم و بقي العمل في ذمّتهم ، فلم يبق لهم مناص عن التعويل على أقرب المجازات في العلم و الأقوى من غيره بعده.
(و ردّها ۱ المرتضى و ابن زهرة) القاضي (و ابن البرّاج و ابن إدريس) الحلّي العجليّ و غيرهم من (أكثر قدمائنا) معاشرَ الشيعة (رضي اللّه ) (تعالى عنهم) ، إمّا لقرب زمانهم من زمن الصادقين و تمكّنهم من اكتساب العلم و اليقين ، أو لشبهة عرضت لهم من ردّ الأصحاب على ما اختلقه سمرة بن جندب ، (و مضمار البحث من الجانبين وسيع) فسيح .
(و لعلّ كلام المتأخّرين) ـ رضوان اللّه عليهم أجمعين ـ (عند التأمّل أقرب) إلى الحقّ و أحقّ بالقبول ، بل لعلّه مجزوم كتابا و سنّة مستفيضة و إجماعا منقولاً ، بل و محقّقا ؛ نظرا إلى عمل جلّ الصحابة بل كلِّهم على تلك الأخبار بلا نكير و إنكار ، و كثرةِ اهتمامهم في تدوينها و تنميقها و جمعها و بثّها و نشرها في سائر الأعصار و الأمصار ، مضافا إلى ما يدلّ على اجتزاء الظنّ عدا ما استثني مع انسداد باب العلم و عموم نفي العسر و الحرج و استحالة التكليف بما لايطاق . و إنّما المستند في ردّ الرواية البكرية هو عدم وثوق الراوي و تفرّدهُ بها مع خفائها عن غيره و لاسيّما عمّن هو أبصر بما في

1.أي الآحاد الصحاح .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7347
صفحه از 640
پرینت  ارسال به