393
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

و استند النظّام إلى تكذيب المنافقين في قوله تعالى : « وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَـفِقِينَ لَكَـذِبُونَ » ۱ مع تفوّههم بما كان متأصّلاً في حاقّ الواقع من قولهم : «إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ» بدليل «وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُو »
و هو مدخول بوجوه وجيهة من إرجاع التكذيب إلى ادّعائهم تصميمَ قلوبهم ـ كما يرشد إليه توكيد كلامهم ب :«إنّ» و «لامِه ۲ » و اسميّةِ الجملة ـ أو الاستمرارَ ـ كما هو مفاد المضارعيّة ـ أو لازم الفائدة ، أو إظهار سجيّتهم و دَيْدَنهم ، أو بملاحظة إطلاقهم الشهادة عليه ، أو ـ بناء على زعمهم الفاسد ـ عدم طباقه الواقع ، أو إلى حلفهم.
و لا يبعد ـ كلَّ البُعد ـ أن يكون الصدق محضَ الواقعيّة ، و الكذبُ عدمَها في نفس الأمر ، و أمّا ترتّب الآثار ظاهرا و إطلاق أحدهما عرفا ، فلعلّه يحتاج إلى اعتبار قيد زائد أيضا ، و هو علم المخبر بواقعيّته أو عدمها.
و بناء على ذلك ، فيتبدّل و يتغيّر إطلاقهما بالإضافة إلى اثنين حسب علمهما و معرفتهما ، ف «زيد قائم» صادق عند عمرو ، كاذب عند بكر مثلاً ، و لكن لاينبغي لمن علم كذبه أن يكذّب من أخبر به عالما صدقه ، حسب ما أدّى إليه نظره ، بل لو كان خالف مقتضى علمه كان أجدرَ بالتكذيب . و لعلّ تكذيب المنافقين لأجل ماقلنا .
و يؤيّده أنّ المخبر بإفطار غبار من المجتهدين ـ مثلاً ـ حسب ما أدّى إليه نظره يزعم طباقَه الواقعَ ، و مفتٍ آخَرُ يفتي بعدمه ظانّا عدمَه ، و لكن لايسوغ له تكذيب الأوّل لأجل ما أفدنا ، و إلاّ فليفسِّقه مع أنّ عدمه مقطوع به ، بل و يَفسق المفسِّق قطعا لايحومه شائبة ريب و وهم ، بل و يكذب المخالف لما أدّى إليه نظره بلا دليل يخالف ذلك .
نعم ، لابدّ من استثناء المقطوع واقعيّتُه أو عدمُها ، فإنّ المخالف في حرارة النار و رطوبة الماء يكذب قطعا ؛ لأنّه خالف مقتضى عقله و نظره تصلّبا و تعسّفا ، أو من

1.المنافقون : ۱ .

2.أي لام التوكيد .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
392

كه ـ قول الثقة بتوثيقه .
كو ـ أن يروي محمّد بن أحمد بن يحيى عنه ، و لم يستثنه القمّيّون ، و كذلك استثناء محمّد بن عيسى عن رواة يونس بن عبدالرحمن ، ففيه شهادة على وثاقة غيره.
كز ـ قولهم : «أسند عنه» يعني سمع منه الحديث على وجه الإسناد ، إلى غير ذلك من ألفاظ المدح و الذمّ ، و سيأتيك ما يجديك في ذلك عن قريب .
كح ـ موافقة مضمونه لنصّ كتاب اللّه .
كط ـ مطابقة مُفاده مفادَ الإجماع .
ل ـ موافقته لما ثبت من القطعيّات من دليل عقليّ و غيره إلى غير ذلك من القرائن.
و بالجملة ، فالمعيار الظنّ بصدوره من المعصوم ، فمتى حصل ـ كيفما حصل ـ يخرج الضعيف عن ضعفه و يلحق بما فوقه في حكمه ، و عدّ منه ، بل قد يطلق عليه الصحيح على مصطلح القدماء و على مصطلح بعض المتأخّرين ، و لو تجوّزوا اتّساعا.
(الفصل) الثاني :
(الصدق) عبارة عن الواقعيّة ، و الكذب عن عدمها ، على ما هو المشهور .
و النظّامُ على أنّ ذلك طباق الاعتقاد و هذا عدمه . ۱
و الجاحظُ جمع بين الأمرين في تحقّقهما و أثبت الواسطة ۲ ؛ لثبوتها من التنزيل في قوله تعالى : « أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِى جِنَّةُ » . ۳
و ليس فيه إلاّ الترديد بين الافتراء و عدمه ، و هو غير ما توهّمه من الترديد بين الكذب و عدمه ، و الفرق بالعمد و عدمه .
و بالجملة ، فالمنفيّ في كلام المجنون هو الكذب بشرط شيء ، لا «بشرط لا» و لا «لا بشرط شيء» .

1.الرعاية في علم الدراية : ۵۶ ـ ۵۷ .

2.مختصر المعاني للتفتازاني : ۳۱ .

3.سبأ : ۸ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7186
صفحه از 640
پرینت  ارسال به