وقيل بالتفصيل، وهو: تقديم قول الجارح فيما إذا [ كان] لايلزم تكذيب أحدهما، فيُقدّم الجارح لِما مرّ، وإلاّ فيما إذا كان بينهما التباين الكلّيّ والتعارض بينهما تعارض النصَّيْن فلابُدّ [ من الرجوع] إلى المرجّحات، كالكثرة والأعدليّة والأورعيّة ونحوها ممّا يفيد الظنّ، ومع عدمها لابُدّ من التوقّف؛ لأنّهما دليلان تعارضا ولا مرجّح لأحدهما، فلابُدّ من التوقّف .
والتحقيق يقتضي الرجوع إلى المرجّحات في تعارض النصَّيْن اللذَيْن كانا من قبيل المتضايفَيْن المتداعيَيْن بحيث يلزم من [ تقديم] أحدهما تكذب الآخَر وردّ قوله، وإلاّ فيتوقّف .
وتقديم قول المعدِّل في الحقيقة سالم عن المعارض، كما إذا كانا ظاهرَيْن، كأن يقول المعدِّل: كان زيد فاعلاً للخير في كلّ وقتٍ، وقال الجارح: ما رأيت منه خيرا، فيحصل الظنّ بالوثاقة .
ويقدّم قول الجارح لو كان نصّا والتعديل ظاهرا، ووجهه ظاهر .
وهذا ظاهر، إنّما الخلاف في أنّ التعديل والجرح هل [ هما من] باب الظنّ، أو الرواية، أو من باب الشهادة، وقد عرفت أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة، والمعتمد هو الأوّل، وأمّا الثاني والثالث فقد مرّ بطلانهما رأسا؛ من منع دلالة الآيات على حجّيّته خصوصا آية النبأ، ومع فرض تسليم الدلالة [ فإنّها ]معارضة بمثلها .
وأمّا الثالث؛ فهو و إن كان ـ بعد العلم ـ أقرب إليه أصلاً، إلاّ أنّ ذلك فرع إمكان تحقّق الشهادة ـ أوّلاً ـ وهو ممنوع؛ لِما عرّفوها [ من] أنّها إخبارٌ جازم بحقٍّ لازمٍ للغير، وهذا غير ممكنٍ بالنسبة إلى الرواية؛ لاقتضائه إدراك الشاهد لهم، وهو غير واقع [ بالنسبة] إلى مَن كان سابقا بأزمنةٍ كثيرة .
وثانيا: [ أنّ] ما في كتب الرجال نقوش، والشهادة من باب اللفظ .
وثالثا: [ أنّ] أكثر ما في الكتب من باب فرع فرع فرع الفرع ... إلى آخره، ومثل هذه الشهادة في أمثال المقام غير مسموعة .