255
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

بل المقطوع والمعلوم عادةً من أمثالهم أنّهم لايذكرون ولايروون في مصنّفاتهم إلاّ ما اتّضح لهم فيه الحال، وأنّه في الصدق والاشتهار كالشمس في رابعة النهار . ۱
أقول: نستجير باللّه ، واعجبا ثمّ واعجبا من هذه الاستحسانات، وإعمال السجع والقوافي في العبارات، مثل قوله ـ فيما بعد ـ : «ولعَمْري، إنّ الأنصاف يقتضي الجزم» تمسّكا بما لايقتضي الدلالة ـ ولو بالإيماء والإشارة ـ بدعوى أنّ كلامه نفيسٌ، يستحقّ أن يُكتب بالنور على وجَنات الحور، ويجب أن يُسطر ولو بالخناجر على الحناجر.
مع أنّ كلّ واحدٍ من مشايخ الرواة؛ كالكلينيّ والصدوق وشيخ الطائفة لم يصرِّحوا في كتبهم الأربعة ـ سيّما في الديباجة ـ بقطعيّة صدور جميع الأخبار المودَعة فيها، كيف؟ ودعوى قطعيّة جميع أخبار الكتب الأربعة ليست إلاّ عن غرضٍ ولجاجٍ، أو غباوةٍ، أو غفلةٍ .
وقول الصدوق ـ عليه الرحمة ـ في ديباجة مَن لا يحضره الفقيه ۲ : بأنّ جميع ما فيه مستخرجٌ من كتبٍ مشهورةٍ، عليها المُعَوَّل، وإليها المرجع، مثل كتاب حَريز بن عبد اللّه ... إلى آخره، وإن دلّ على أنّ أحاديث ذلك الكتاب ـ جميعا ـ مأخوذةٌ منها، ولكن لايدّعي ـ طاب ثراه ـ قطعيّة صدور تلك الاُصول ـ كما هو مقصود صاحب الحدائق ـ .
بل الأخذ منها على سبيل الكلّيّة ممنوعٌ ـ أوّلاً ـ ولو سلّمنا الأخذ [ فـ ]قطعيّة الكلّ ممنوعةٌ ـ ثانيا ـ سيّما كلام الشيخ، خصوصا في أوّل الاستبصار ۳ ممّا هو صريح في خلافه، حيث فسّر القرائن المفيدة؛ بما لايوجب القطع، مثل: الموافقة لظاهر الكتاب والسُّنّة .
على أنّ الصدوق ـ مع أنّ كلامه أظهر دلالةً على مرادهم ـ لايدّعي قطعيّة الصدور بالكلّيّة، بل غرضه بيان ما أفتى به، وكونه حُجّةً بينه وبين ربّه .
وقوله: «بل قصدتُ إلى إيراد ما أُفتي به، وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حُجّة

1.الحدائق الناضرة ۱ : ۱۰ .

2.كتاب من لا يحضره الفقيه ۱ : ۳ ـ ۴ .

3.الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ۱ : ۳ ـ ۴ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
254

أحاديثنا المتقدّمة، فإنّ المغيرة بن سعيدٍ لعنه اللّه دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديثَ لم يحدّث بها أبي ، فاتّقوا اللّه ولاتقبلوا علينا ما خالف قولَ ربّنا وسُنّةَ نبيّنا صلى الله عليه و آله وسلم» .
قال يونس: وافَيْتُ العراقَ فوجدتُ بها قطعةً من أصحاب أبي جعفرٍ عليهماالسلامووجدتُ أصحابَ أبي عبد اللّه عليه السلام متوافرين، فسمعتُ منهم، وأخذت كُتبهم فعرضتها من بَعْدُ على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرةً أن تكون من أحاديث أبي عبد اللّه عليه السلام.
وقال [ لي]: «إنّ أبا الخطّاب ... وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا في كتب أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام فلا تقبلوا علينا خلافَ القرآن» ۱ الحديث.
وكذا قوله عليه السلام: «إنّا أهل بيتٍ صادقون، لانخلو من كذّابٍ يكذب علينا، ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس» . ۲
وكذا قوله عليه السلام: «إنّ لكلّ رجلٍ منّا رجلاً يكذب عليه» .
وكذا قوله عليه السلام: «قد كثُرت علينا الكذّابة» .
وكذا الأخبار المتعارضة، والأخبار العلاجيّة، كلّ ذلك مرويٌّ في تلك الكتب، فلو كان كلّها قطعيّ الصدور؛ لزم من وجودها عدمها .
فالعجب كلّ العجب من صاحب الحدائق حيث جعل حديث يونس دليلاً على صدق صدور تلك الأخبار بقوله :
أقول: فانظر ـ أيّدك اللّه ـ إلى ما دلّ عليه هذا الحديث من توقّف يونس في الأحاديث واحتياطه فيها، وهذا [ شأن غيره أيضا] فهل يجوز في العقول السليمة والطِّباع المستقيمة أنّ مثل هؤلاء الثقات العدول إذا سمعوا من أئمّتهم عليهم السلام مثلَ هذا الكلام أن يستحلّوا ـ بعد ذلك ـ نقْل ما لايثقون بصحّته، ولايعتمدون على حقيقته؟

1.مجمع الرجال ۶ : ۱۱۸ .

2.مجمع الرجال ۵ : ۱۱۳ ـ ترجمة أبي الخطّاب محمّد بن مقلاس .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7402
صفحه از 640
پرینت  ارسال به