223
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

من كون القوى الثلاث واسطةً للثبوت، ولم يكن الانفكاك مستحيلاً، فتتخلّف الوثاقة وعدمها عن ذات الراوي، ولا ضَيْرفيه .

أمّا الأمر الثالث: ففي بيان الحاجة إلى علم الرجال

وفيه مقامان:
الأوّل: في إثبات الحاجة إليه في الجملة في مقابل مَن ادّعى السّلبَ الكلّيّ، كما ذهب إليه جماعة من الأخباريّين؛ ومنهم مولانا محمّد أمين الأستر آباديّ ـ وهو رئيس المنكرين ـ زعما منه أنّ الأخبار المودَعة في الكتب الأربعة من المحمّدين الثلاثة ـ أعني الكافي و الفقيه و التهذيب و الاستبصار وما تولَّد منها كالوافي و الوسائل و البحار ـ كلَّها قطعيّةُ الصدور؛ على ما صرّح به جماعة من أكابر الأخباريّين كسيّدنا السيّد نعمة اللّه الجزائريّ التُستريّ في مقدّمات المجلَّد الأوّل من مجلَّدات كتاب غاية المرام في شرح كتاب تهذيب الأحكام لشيخ الطائفة، وشيخنا الحرّ العامليّ في أواخر المجلَّد الأخير من كتاب وسائل الشيعة ۱ والشيخ الأمجد الأوحد الشيخ يوسف البحرانيّ في مقدّمات كتاب الطهارة [ من ]الحدائق ۲ واستدلّوا بالوجوه المفصَّله المرقومة فيها؛ من جانب الفاضل المشكِّك المستدلّ .
منها: أنّ العلم بأحوال الرجال غير محتاجٍ إليه، لأنّ أحاديثنا كلَّها قطعية الصدور عن المعصوم عليه السلام فلا يحتاج إلى ملاحظة سندها، لأنّ أحاديثنا محفوفة بالقرائن الحاليّة المفيدة للقطع بصدورها عن المعصوم عليه السلام.
فمن جملة القرائن أنّه كثيرا مّا نقطع ـ بالقرائن الحاليّة أو المقاليّة ـ بأنّ الراوي كان ثقةً في الرواية، لم يَرْضَ بالافتراء ولا برواية ما لم يكن واضحا عنده ـ وإن كان فاسدَ المذهب، أو فاسقا بجوارحه ـ وهذا النوع من القرنية وافر في أحاديث كتب أصحابنا. ۳

1.وسائل الشيعة ۳۰ : ۲۵۱ ـ ۲۶۵ ، الفائدة التاسعة .

2.الحدائق الناضرة ۱ : ۱۴ ـ ۲۴ .

3.اُنظر: الفوائد المدنيّة: ؟؟؟؟۴۰ ـ ۵۳ ـ ۵۶ ، الدرّة النجفيّة: ۱۶۸ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
222

فما يعرض على الشيء بواسطة أمرٍ مُبائنٍ، أو جزئه الأخصّ، أو الأعمّ؛ يُعَدُّ غريبا، ۱ كالحركة للإنسان بواسطة الحيوان، وكالنُّطق للحيوان بواسطة الإنسان.
وما يعرض للعارض ـ أوّلاً وبالذات ـ عبارةٌ عن العُروض، وما يعرضه ـ ثانيا وبالعَرَض ـ هو الثبوت، كالحركة العارضة للجالس في السفينة؛ تلحقها بالذات لعدم الواسطة للعُروض، وتلحق الجالَس بواسطة السفينة فيُعَدُّ غريبا .
فعلى هذا يلزم أن يكون البناءُ العارضُ للكلمة بواسطة الفعلِ الأخصِّ منها، والإعرابُ العارض لها بواسطة الاسمِ الأخصِّ منها؛ عَرَضا غريبا .
وكذا يلزم أن يكون الراوي ـ الموضوع لعلم الرجال ـ إمّا عادلاً دائما ، أو فاسقا دائما ؛ بعد القول بكون الوثاقة أو عدمها من عوارض ذات الراوي، مع أنّ الواقع خلافُ ذلك، لإمكان التخلّف؛ بأن يصير العادل فاسقا، أو العكس ـ كما نراه كثيرا ـ .
وجواب هذا التوهّم: أنّه لوكانت الوثاقة وعدمها من لوازم ذات الرّواة للزم المَحال المذكور، ولكنّ العَرَض الذاتيّ لاينحصر في أن يعرض للذات بلا واسطة عروضٍ ـ كما في المقام ـ بل لو عرض بواسطة أمرٍ يساويها أيضا يسمّى بالعَرَض الذاتيّ .
ولا شكَّ ولا شبهةَ ولاريبَ أنّ العوارض الذاتيّة للرواة؛ من الوثاقة ونحوها ممّا يعرض للذات بواسطة القوّة العقليّة، أو الشهويّة، أو الغضبيَّة، فتصير من الصفات الذاتيّة للرواة، فيلاحظ من تعديل القوّة العاقلة فضيلة العلم والحكمة، ومن تعديل القوّة الغضبيّة [ فضيلة] الحِلْم والشَّجاعة، ومن تعديل القوّة الشّهويّة فضيلة العفّة .
ومن اعتدال الثلاث تحدث مَلَكةٌ نفسانيّة باعثة على ملازمة التقوى والمروءَة؛ ويعبّرون عنها بالوَثاقة والعَدالة، فتُلازِم ذات الراوي العادل بعد حصول هذه القوى الثلاث إذا صارت مَلَكةً نفسانيّةً ، فإذا زالت إحداها ـ كما إذا غلبت الغضبيّة، أو الشّهويّة، أو اضمحلَّت القوّة العاقلة، أو أن لا يحصل حدّ المَلَكة النفسانيّة المسمّى بالعمل؛ كالأحوال المنقلبة بسرعةٍ كحُمْرة الخَجَل، وصُفْرة الوَجَل ـ لايلزم المحال، لِما عرفتَ

1.أي: عَرَضا غريبا .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7325
صفحه از 640
پرینت  ارسال به