195
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

الأخلاق و محاسن الشيم ، و هو من علوم الآخرة فمن حُرِمه ـ استجير باللّه تعالى من ذلك ـ فقد حُرم خيرا عظيما ، و من رُزقه بشروطه فقد نال فضلاً جزيلاً و أجرا كبيرا و فاز فوزا عظيما .
و ليسأل اللّه تعالى حامل الأحاديث التوفيق و التسديد و التيسير ، و ليستعمل الأخلاق الجميلة و الآداب المرضيّة و الشيم الحميدة و الأطوار الحسنة . ثمّ ليفرغ جهده في تحصيله و يغتنم إمكانه .
و من جملة الآداب أن يبدأ من أرجح شيوخ بلده عقلاً و ورعا و زهدا و علما و دينا و عملاً فإذا فرغ من مهمّاتهم فليرحل على عادة المحدّثين المبرزين من الحفّاظ و غيرهم ، و لايحملنّه الإعجاب بما عنده على التساهل في التحمّل و الإتقان و الإكمال فيخلّ بشيء من شروطه.
و ينبغي بل قد يجب أن يستعمل ما يسمعه من أحاديث الاعتقادات و العبادات و الآداب و مكارم الأخلاق ، و لاسيّما الأحاديث المتظافرة المتسامعة الواردة في فضائل آل الرسول صلى الله عليه و آله أهل بيت العصمة و الرحمة و مناقبهم ، و هكذا ما ورد في ذمّ أعدائهم و كفر و زندقة مخالفيهم و مبغضيهم.
و بالجملة : فإنّ ذلك الاستعمال من قبيل الألطاف المؤكّدة المسدّدة للتكاليف المستقلّ فيها العقل و زكاة الحديث ، و ممّا يوجب حفظه.
ثمّ إنّ من جملة الآداب المرضيّة و الأمور المرعيّة أن يعظّم أهل العلم و الحديث ، و لاسيّما شيوخه و من يسمع منهم فذلك في الحقيقة من إجلال العلم و أسباب الانتفاع ، و يعتقد جلالة شيوخه ، و يتحرّى رضاهم ، و لايطول عليهم بحيث يضجرهم و ليستشرهم في أُموره ، و ما يشتغل فيه و كيفيّة اشتغاله.
و ينبغي له إذا ظفر بسماع أن يرشد إليه غيره ؛ فإنّ كتمانه من الأُمور القبيحة عقلاً و شرعا بل إنّه يخاف على كاتمه عدم الإنتفاع ؛ فإنّ من بركة الحديث إفادته و بنشره ينمى.


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
194

أحوط ، و منهم من يكتفي به في أوّل حديث أو أوّل كلّ مجلس و يدرج الباقي عليه قائلاً في كلّ حديث : «و بالإسناد» أو «و به» و هو الأغلب.
فمن سمع هكذا فأراد رواية غير الأوّل جاز له عند الأكثرين ۱ ، و منعه جماعة . ۲ فعلى هذا طريقه أن يبيّن كقول مسلم : حدّثنا محمّد بن رافع ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا مَعمر عن همّام ، قال : هذا ما حدّثنا أبو هريرة ، و ذكر أحاديث و كذا فعله كثير من المؤلّفين.
و أمّا إعادة بعضهم الإسناد في آخر الكتاب فلايرفع هذا الخلاف ، إلاّ أنّه يفيد إجازة قويّة بالغة و احتياطا . و أمّا إذا كان الجزء أو الكتاب إسناده إلى المؤلّف واحدا ، و من المؤلّف إلى فوق بأسانيد مختلفة و عطف عليه بقوله : «و به» ، قال : «حدّثنا» في أوّل كلّ حديث ثمّ أراد رواية حديث منه ؛ فإنّه يجوز له رواية غير الأوّل بإسناده قطعا . و أمّا إعادة الإسناد في آخر الكتاب فلانعلمه إلاّ لأجل أن يسمعه من لعلّه حضر في أثناء الكتاب.
ثمّ اعلم أنّه قد جرت العادة عند العامّة بحذف «قال» و نحوه بين رجال الإسناد في الخطّ و لكن ينبغي للقارئ التلفّظ بها ، و إذا كان فيه «قرئ على فلان» أو «أخبرك فلان» أو «قرئ على فلان حدّثنا فلان» فليقل القارى في الأوّل قيل له : «أخبرك فلان» و في الثاني : «قال : حدّثنا فلان» . و إذا تكرّر قال كقوله : «حدّثنا فلان قال : قال فلان» فإنّهم يحذفون أحدهما خطّا فليتلفّظ بهما القاري ولو ترك القاري «قال» في هذا كلّه فقد أخطأ ، و الظاهر صحّة السماع.

الفائدة السابعة : في الإشارة إلى معرفة جملة من الأمور .

فاعلم : أنّ علم الحديث علم شريف به هو أشرف العلوم بعد علم القران ، و أنّ تمامية علم القرآن لنا لاتكون إلاّ بعلم الحديث . و بالجملة : فإنّه يناسب مكارم

1.منهم وكيع ، و ابن معين ، و الإسماعيلي على ما في تدريب الراوي : ۴۰۱ .

2.منهم أبو إسحاق الإسفرايني على ما في تدريب الراوي : ۴۰۲ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7214
صفحه از 640
پرینت  ارسال به