تذنيب : فاعلم أنّه قد شدّد قوم في الرواية فأفرطوا و تساهل آخرون ففرّطوا . فمن المشدّدين من قال : لا حجّة إلاّ فيما رواه من حفظه ، و منهم من جوّزها من كتابه إلاّ إذا خرج من يده.
و قال بعض المتساهلين : يجوز من نسخ غير مقابلة بأُصولهم . و الصواب ما عليه الأكثر من أنّه إذا قام في التحمّل و المقابلة بما تقدّم جازت الرواية منه و إن غاب ، إذا كان الغالب سلامته من التغيير ، لاسيّما إن كان ممّن لايخفى عليه التغيير غالبا. ۱
ثمّ إنّه إذا أراد الرواية من نسخة ليس فيها سماعه و لا هي مقابلة به لكن سمعت على شيخه أو فيها سماع شيخه أو كتبت عن شيخه و سكنت نفسه إليها لم تجز الرواية منها عند عامّة المحدّثين من العامّة ، فهذا كما ترى ممّا تدفعه السيرة مضافة إلى أنّه يحصر الأمر على القراءة على الشيخ أو السماع منه ، و قد عرفت أنّ هذا خلاف التحقيق و ما عليه الأكثر.
و قد تنبّه لبعض ما قلنا جمع منهم فقالوا : إنّه متى عرف أنّ هذه الأحاديث هي التي سمعها من الشيخ جاز أن يرويها إذا سكنت نفسه إلى صحّتها و سلامتها . هذا إذا لم تكن إجازة عامّة لمرويّاته أو لهذا الكتاب ، فإن كانت جازت الرواية منها فله أن يقول : «حدّثنا» و «أخبرنا» من غير بيان الإجازة . و الأمر في ذلك قريب يقع مثله في محلّ التسامح ، و لا غنى في كلّ سماع من الإجازة لينفع ما يسقط من الكلمات سهوا أو غيره مرويّا بالإجازة و إن لم يكن لفظها ، فهذا تيسير حسن لمسّ الحاجة إليه في أكثر الأزمنة.
و إن كان في النسخة سماع شيخ شيخه أو كانت مسموعة عليه فيحتاج ذلك إلى أن يكون له إجازة شاملة من شيخه و لشيخه مثلها من شيخه.
ثمّ إنّه إذا وجد في كتابه خلاف حفظه فإن كان حفظ منه رجع إليه، و إن كان حفظ من فم الشيخ اعتمد حفظه إن لم يشكّ ، و حسن أن يجمعها فيقول : «حفظي كذا» و «في