157
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

محاسن الحكماء و الفقهاء ، و مع هذا صاحب اليد الطولى و الباع القصوى في تتبّع كتب الأحاديث ، و صناعتي الرجال و الدراية من الخاصّة و العامّة ، إلاّ أنّ تحقيق الحال في المقام ممّا يحتاج إلى أخذنا مجامع كلمات علماء العامّة بالنسبة إلى هذا المقام.
فأقول : إنّ كلمات جمع ممّن ظفرت بكلامهم بالنسبة إلى هذا المقام و ما يتعلّق به متقاربة و متعانقة ، فننقل عنهم هاهنا ما هم عليه من الكلمات المتقاربة المتعانقة ، فنقول :
إنّهم قالوا : «أجمع الجماهير من أئمّة الحديث و الفقه أنّه يشترط في الراوي أن يكون عدلاً ضابطا بأن يكون مسلما بالغا عاقلاً سليما من أسباب الفسق و خوارم المرؤة متيقّظا حافظا ـ إن حدّث من حفظه ـ ضابطا لكتابه ـ إن حدّث منه ـ عالما بما يحيل المعنى ، إن روى به.
ثمّ إنّ العدالة تثبت بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة ، فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم و شاع الثناء عليه بها كفى فيها كمالك و السفيانين [و الأوزاعي]أثبتناه من المصدر . و الشافعي و أحمد و أشباههم.
و توسّع ابن عبد البَرِّ فيه فقال : كلّ حامل علم معروف العناية به محمول أبدا على العدالة حتّى يتبيّن جرحه و قوله هذا غير مرضيّ.
ثمّ إنّ الضبط يعرف بموافقته الثقات المتقنين غالبا و لاتضرّ مخالفته النادرة.
ثمّ إنّه يقبل التعديل من غير ذكر سببه على الصحيح المشهور ، و لايقبل الجرح إلاّ مبيَّن السبب . و أمّا كتب الجرح و التعديل التي لايذكر فيها سبب الجرح ففائدتها التوقّف فيمن جرّحوه ؛ فإن بحثنا عن حاله و انزاحت عنه الرِّيبة و حصلَت الثقة به قَبلِنا حديثه كجماعة في الصحيحين بهذه المثابة.
ثمّ الحقّ أنّ الجرح و التعديل يثبتان بواحد ، و قيل : لابدّ من اثنين» . ۱

1.التقريب : ۴۰ و ۴۱ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
156

الحسن ، غير أنّه لايحتاج أن يكون له شاهد ۱ ؛ فتأمّل .

تذنيب :

إنّ بعض الأجلّة قد نقل عن العامّة أوّلاً حدّ الصحيح من سلامته عن الشذوذ و العلّة ، و كونه مرويّ من يكون مع العدالة ضابطا ، ثمّ قال : «إنّ أصحابنا ـ رضوان اللّه تعالى عليهم ـ أسقطوا ذلك عن درجة الاعتبار و هو الحقّ ؛ لأنّهم يفسّرون الشذوذ بكون الذي يرويه الثقة مخالفا لمرويّ الناس ، و ذلك حال المتن بحسب نفسه ، و قد علمت أنّ موضع البحث هاهنا حاله بحسب طريقه لا بحسب نفسه . و يفسّرون العلّة بأسباب خفيّة غامضة قادحة يستخرجها الماهر في الفنّ ، و هي أيضا إن كانت متعلّقة بنفس جوهر المتن فخارجة عن الموضوع ، و إن كانت متعلّقة بالسند كالإرسال أو القطع مثلاً في ما ظاهره الاتّصال ، أو الجرح في من ظاهر الأمر فيه التعديل ، من دون أن يكون الاستخراج منتهيا إلى حدّ معرفة جازمة عن حجّة قاطعة ، بل بالاستناد إلى قرائن ينبعث عنها ظنّ أو يترتّب عليها تردّد و شكّ ، فإن كان قويّة يتقوّى بها ظنّ القدح فقيد الاتّصال مجديان في الاحتراز عنهما و إلاّ فليست بضائرة في الصحّة المستندة إلى أسبابها الحاصلة.
و أمّا الضبط ، و هو كون الراوي متحفّظا ، متيقّظا ، غير مغفلٍ ، و لا ساهٍ ، و لا شاكّ في حالتي التحمّل ، و الأداء ، فمضمّن في الثقة . و هم يتوسّعون في العدل بحيث يشمل المخالف ما لم يبلغ خلافه حدّ الكفر ، و المبتدع ما لم يكن يروي ما يقوّي بدعته . و يكتفون في العدالة بعدم ظهور الفسق ، و البناء على ظاهر حال المسلم ، فلذلك اتّسعت عندهم دائرة الصحّة ، و صارت الحسان و الموثّقات و القويّات عندنا صحاحا عندهم مع اعتبار القيود الثلاثة المذكورة» ۲
هذا كلامه ( قدس سره).
فلايخفى عليك أنّ هذا السيّد الأجلّ الأنبل ، و إن كان شعلة الذكاء و وارث

1.تدريب الراوي : ۱۳۶ .

2.الرواشح السماوية : ۴۳ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7187
صفحه از 640
پرینت  ارسال به