و بعض آخر من فضلاء العامّة بعد أن عنون المدلّس و المعنعن و المؤنّن عنوانا واحدا قال : «إنّ تدليس الإسناد ممّا يضعّف به الحديث إجماعا . و الصحيح أنّ حكمه حكم المرسل.
و أمّا الحديث المعنعن ، و هو الذي وقع في الإسناد ، «حدّثنا فلان عن فلان» فقد جعله بعض الناس مرسلاً.
و الصواب التفصيل ، فمتى أمكن اللقاء و برئا من التدليس كان متّصلاً ، و قد وقع منه في الصحيحين كثير ، فلذلك يكون ما روي به على سبيل الإجازة عند من يصحّح الرواية بالإجازة متّصلاً .
و أمّا المؤنّن و قد يقال : المؤنّان ، و هو ما كان في إسناده «حدّثنا فلان ، أنّ فلانا قال» ، و الجمهور على أنّه مثل المعنعن» ۱ انتهى كلامه.
فإن قلت : ما تقول فيما ذكره البعض في المقام قائلاً : «إنّ الفرق بين المدلّس و المرسل الخفي دقيق يحصل تحريره بما ذكر هاهنا ، و هو أنّ التدليس يختصّ بمن روى عمّن عرف لقاؤه إيّاه ، فأمّا إن عاصره و لم يعرف أنّه لقيه فهو المرسل الخفي . و من أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ولو بغير لقاء لزمه دخول المرسل الخفي في تعريفه ، و الصواب : التفرقة بينهما.
و يدلّ على أنّ اعتبار اللقاء في التدليس دون المعاصرة وحدها لابدّ منه إطباق أهل العلم بالحديث على أنّ رواية المُخَضْرَمين كأبي عثمان النهدي و قيس بن أبي حازم عن النبيّ صلى الله عليه و آله من قبيل الإرسال لا من قبيل التدليس ، ولو كان مجرّد المعاصرة يكتفى به في التدليس لكان هؤلاء مدلِّسين ؛ لأنّهم عاصروا النبيّ صلى الله عليه و آلهقطعا و لكن لم يعرف هل لقوه أم لا؟ و ممّن قال باشتراط اللقاء في التدليس الشافعي و أبو بكر البزّاز ، و كلام الخطيب في الكفاية يقتضيه و هو المعتمد .» ۲