115
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

الإسناد الجامع لشروط الصحّة ظاهرا ، و يستعان على إدراكها بتفرّد الراوي و مخالفة غيره له ، مع قرائن تنبّه العارف على إرسال في الموصول ، أو وقف في المرفوع ، أو دخول حديث في حديث ، أو وهم واهم ، أو غير ذلك بحيث يغلب على الظنّ ذلك أو لايبلغ حدّ الجزم ، و إلاّ يخرج عن هذا القسم.
و ذكر بعض فضلاء العامّة : أنّه قد تطلق العلّة على غير مقتضاه الذي قدّمنا ، ككذب الراوي و غفلته و سوء حفظه و نحوها من أسباب ضعف الحديث و قد سمّى الترمذي النسخ علّة ، و أطلق بعضهم العلّة على مخالفة لاتقدح كإرسال ما وصله الثقة الضابط حتى قال : من الصحيح صحيح معلّل كما قيل : منه صحيح شاذ. ۱
و قد قال بعض أجلة المحقّقين المدقّقين منّا : إنّ أصحابنا ليسوا يشترطون في الصحّة السلامة من العلّة . فالصحيح عندنا ينقسم إلى معلّل و سليم ، و إن كان المعلّل الصحيح قد يردّ كما يردّ الصحيح الشاذّ . ۲
هذا ، فإذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ طريق معرفة هذه العلّة عند أهل هذه الصناعة أن تجمع طرقه و أسانيده فينظر في اختلاف رواته و ضبطهم و إتقانهم ، فإذا لم يفعل ذلك لم يتبيّن الخطأ ، فينبغي أن يجتهد غاية الاجتهاد في التحرّز عن اقتحام مواقع الاشتباه و الإلتباس حتّى لايتورّط في جعل ما ليس بعلّة علّة.
و قال جمع من العامّة : «و تقع العلّة في الإسناد و هو الأكثر ، و قد تقع في المتن ، و ما وقع في الإسناد قد يقدح فيه و في المتن كالإرسال و الوقف ، و قد يقدح في الإسناد خاصّة و يكون المتن معروفا صحيحا كحديث يعلى بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار حديث «البيّعان بالخيار» ۳ غلط ، يعلى إنما هو عبد اللّه بن دينار» . ۴

1.مقدمة ابن الصلاح : ۷۳ .

2.الرواشح السماوية : ۱۸۵ .

3.صحيح البخاري ۳ : ۱۰ و ۱۷ و ۱۸ ؛ صحيح مسلم ۵ : ۱۰ ؛ سنن أبي داود ۲ : ۱۳۶ ، ح ۳۴۵۷ ؛ سنن الترمذي ۲ : ۳۵۸ باب ۲۶ ؛ سنن النسائي ۷ : ۲۴۵ و ۲۴۸ و ۲۵۱ ؛ سنن ابن ماجة ۲ : ۷۳۶ ؛ مسند أحمد ۲ : ۴ و ۹ و ۷۳ و ج ۳ : ۴۰۲ و ۴۰۳ و ج ۴ : ۴۲۵ .

4.مقدمة ابن الصلاح : ۷۲ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
114

ثمّ العجب من بعض العامّة حيث قال : «المقبول ينقسم أيضا إلى معمول به و غير معمول به ؛ لأنّه إن سلم من المعارضة فهو المحكم ، و إن عورض فلايخلو إمّا أن يكون معارضه مقبولاً مثله أو يكون مردودا . فالثاني لا أثر له ؛ لأنّ القوي لايؤثّر فيه مخالفة الضعيف ، و إن كانت المعارضة بمثله فلايخلو إمّا أن يمكن الجمع بين مدلوليهما بغير تعسّف أو لا ، فإن أمكن الجمع فهو النوع المسمّى بمختلف الحديث» . ۱
و وجه الغرابة ظاهر ، اللّهمّ إلاّ أن يكون هذا اصطلاحا منهم فهذا أيضا كما ترى ؛ لأنّه لم يعهد من أحد غيره منهم أن يصرّح بذلك مع أنّه قد قدّم في كلامه أنّ المقبول ممّا يجب العمل به ، فتأمّل.

و منها : المعلّل .

و يسمّونه المعلول أيضا و هو لحن ، و قد أذعن جماعة بأنّ هذا من أغمض أنواع علوم الحديث و أدقّها ، و لايقوم به و لايتمكّن منه إلاّ أهل الحفظ و الخبرة و الفهم الثاقب و من له معرفة تامّة بمعرفة مراتب الرواة و طبقاتهم و ملكة قويّة بالأسانيد و المتون ، و لهذا لم يتكلّم فيه إلاّ القليل من أهل هذا الشأن. ۲
و قال البعض : «إنّ هذا أجلّ علوم الحديث و أشرفها و أدقّها ، بل كاد أن يكون علمنا بذلك كهانة عند غيرنا» ، و قيل : «إن منفعة هذا الفنّ كمنفعة سوفسطيقا في علم البرهان و [في] طريق الجدل» . ۳
و كيف كان ؛ فإنّ العلّة عبارة عن سبب خفي غامض قادح مع أنّ الظاهر السلامة منه ، فالحديث المعلّل هو الذي قد اطّلع فيه على ما يقدح في صحّته و جواز العمل به مع أنّ ظاهره السلامة عن ذلك .
و العلة قد تكون في السند و قد تكون في المتن ، فالتي في السند هي ما يتطرّق إلى

1.نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر : ۷۳ .

2.نفس المصدر : ۸۹ .

3.الرواشح السماوية : ۱۸۳ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7149
صفحه از 640
پرینت  ارسال به