53
فائقُ المَقال في الحديث و الرجال

والقرائن المجوّزة عند الأكابر والأبرار ، والأعيان والأخيار ، المرضيّة المقرّرة المضبوطة المحرّرة ، يمكن التوصّل إلى التفصّي منه بصدقه وكذبه ، وصحيحه وعليله ، فيؤخذ الصواب المحمود ، ويترك ما عداه المردود .
ثمّ إنّه قد دلّ الحديث الشريف والخبر المنيف أيضاً دلالة صريحة قويّة صحيحةً على أنّه كُذب على رسُول اللّه ـ صلى الله عليه و آله ، وأبهج نهج الدين بنور كماله ـ بل قوله عليه صلوات الملك المتعال :« قد كثرت عليّ الكذّابةُ» تصريح بوقوعه مُطْلقاً غير مرّة كما لا يخفى على أهل الكمال .
قال شيخ المسلمين بهاء الملّة والدين في شرح الأربعين عند تفسير هذا الخبر الجيّد المعتبر :
لا ريب في أنّه قد كُذب على رسُول اللّه صلى الله عليه و آله للتوصّل إلى الأغراض الفاسدة ، والمقاصد الباطلة من التقرّب إلى الملوك وترويج الآراء الزائفة وغير ذلك . ودعوى صرف القلوب عن ذلك ظاهرة البطلان ، وما تضمّنه هذا الحديث من قوله صلى الله عليه و آله :«قد كثرت عليّ الكذّابة» دليل على وقوعه ؛ لأنّ هذا القول إمّا أن يكون قد صدر عنه صلى الله عليه و آله أو لا ، والمطلوب على التقديرين حاصل كما لا يخفى ؛ ولوجود الأحاديث المتنافية التي لا يمكن الجمع بينها ، وليس بعضها ناسخ لبعضٍ قطعاً . وما ذكره عليه السلام من وضع الحديث للتقريب إلى الملوك قد وقع كثيراً . فَقد حُكِيَ أنّ غياث بن إبراهيم دخل على المهديّ العباسى وكان يحبّ المسابقة بالحمام فروى عن النبىّ صلى الله عليه و آله أنّه قال :« لا سبق إلاّ في خُفٍّ أو حافرٍ أو نصلٍ أو جناحٍ» . فأمر له المهديّ بعشرة الآف درهم ، فلمّا خرج قال المهديّ : أشهد أنّ قفاه قفا كذّاب على رسُول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما قال رسُول اللّه صلى الله عليه و آله :«أو جناح» ولكن هذا أراد أن يتقرّب إلينا . وأمر بذبح الحمّام وقال : أنا حملته على ذلك .
وقد وضع الزنادقة - خذلهم اللّه - كثيراً من الأحاديث ، وكذلك الغلاة والخوارج . ويُحكى أنّ بعضهم كان يقول بعد ما رجع عن ضلالته : انظروا إلى هذه الأحاديث عمّن تأخذونها فإنّا كنّا إذا رأينا رأياً وضعنا له حديثاً .
وقد صنّفت جماعة من العلماء كالصغاني وغيره كُتُباً في بيان الأحاديث


فائقُ المَقال في الحديث و الرجال
52

معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسُول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري . وربّما كان يأتيني رسُول اللّه صلى الله عليه و آله أكثر من ذلك في بيتي . وكنت إذا دخلتُ عليه ببعض منازله أخلاني وأقام عنّي نِساءَهُ فلا يبقى عنده غيري . و إذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عنّي فاطمة عليهاالسلام ولا أحداً من بنيّ . وكُنْتُ إذا سألته أجابني و إذا سكتُّ عنه وفنيت مسائلي ابتدأني . فما نَزَلتْ على رسُول اللّه صلى الله عليه و آله آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملأها عليّ فكتبتها بخطّي ، وعلّمني تأويلها وتَفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهما وخاصّها وعامّها ، ودعا اللّه أن يعطيني فَهْمَها وحفظها فما نسبتُ آيةً من كتاب اللّه ، ولا علماً أملأ عليّ وكتبته منذ دعا لى بما دعا . وما ترك شيئاً علّمه اللّه من حلال ولا حرام ، ولا أمر ولا نهي ، أو شيءٍ كان أو يكون ، ولا كتاباً منزلاً على أحد قبله من طاعة أو معصية إلاّ علّمنيه وحفظته فلم أنس حرفاً واحداً ، ثمّ وضع يده على صدري ودعا اللّه لي أن يملأ قلبي علماً وحُكماً ونوراً ، فقلت : يا نبيّ اللّه بأبي أنت وأمّي منذ دعوت اللّه بما دعوت لم أنس شيئاً ، ولم يفتني شيءٌ لم أكتبه أفتتخوّف عليّ النسيان والجهل فيما بعد؟ فقال : لستُ أتخوّف عليك النسيان والجهل» ۱ .
ولا يخفى على ذوي الحال ما في هذا الحديث الشريف من مجامع الكمال ، ومن الدلالة على عدم الإقدام على العمل بظواهر الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه و آله ما لم يعلم حالها من كونها ناسخةً أو منسوخةً ، مقيّدةً أم مطلقةً ، ظاهرةً أم مؤوّلةً ، مكذوبة عليه صلى الله عليه و آله أم غير مكذوبة ، إلى غير ذلك . بخلاف الأحاديث المرويّة عن الأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين ، فإنّها لا نسخ فيها ؛ لكونها حاكيةً ومبيّنة وكاشفةً عمّا أخبر به صلى الله عليه و آله من الأحكام الشرعية ، والاُمور الإلهيّة ، وقد أمروا - صلوات اللّه عليهم - بالأخذ بها ، والتحديث فيها ، والكتابة لها إلى غير ذلك .
وأمّا ما خالطها ممّا لا يوثق بوروده عنهم صلوات اللّه عليهم ، فبالعلامات

1.الكافي ۱ : ۶۲ - ۶۴ / ۱ باب اختلاف الحديث .

  • نام منبع :
    فائقُ المَقال في الحديث و الرجال
    سایر پدیدآورندگان :
    احمد بن عبدالرضا البصری، تحقیق: غلامحسین قیصریه ها
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2773
صفحه از 376
پرینت  ارسال به