يحتمل اللُقَى وعدمه مع عدم اللُقَى كما لو قال : «عن فلان» أو «قال فلان» فإنّ العبارتين وإن كانتا ظاهرتين في الإتّصال لكنّ التعبير بهما مع الإرسال أيضاً متداول ، وإذا ظهر بالتثبّت كونه غيرَ راوٍ عنه ، تبيّن الإرسال . وغير خفيّ أنّ ذلك ضرب من التدليس .
ومنها : المعلَّل ، ومعرفته من أجلّ علوم الحديث وأدقّها ، وهو ما فيه أسباب خفيّة غامضة قادحة فيه في نفس الأمر ، وظاهره السلامة منها بل الصحّة .
وإنّما يتمكّن أهل الخبرة من معرفة ذلك بخبره بطرق الحديث ومتونه ومراتب الرواية مع كونه ضابطاً ثاقباً .
ويستعان على إدراك تلك العلل بتفرّد الراوي بذلك الطريق ، أو المتنِ الذي يظهر عليه قرائن العلّة ، وبمخالفة غيره له في ذلك مع انضمام قرائنَ تُنبِّه العارفَ على تلك العلّة من إرسال في الموصول ، أو وقفٍ في المرفوع ، أو دخولِ حديث في حديث ، أو دخولِ وهم واهمٍ ، أو غير ذلك من الأسباب المعلّلة بحيث يغلب على ظنّه ذلك ولا يبلغ اليقين ، وإلاّ لحقه حكم ما تُيُقِّن به من إرسال أو غيره ، فيُحكم به ، أو يتردّد في ثبوت ذلك من دون ترجيح ، فيُتوقّف .
وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ هذه عند الجمهور مانعة من صحّة الحديث على تقدير كون ظاهره الصحّةَ لو لاها .
وأمّا عند أصحابنا فذلك غير معتبر في مفهوم الصحّة ، بل اعتباره إنّما هو في قبول الحديث ، وأكثر ما يوجد فيه تلك العلّةُ هو كتاب التهذيب كما يظهر من التأمّل فيه ، مع إخبار أهل الخبرة به .
ومنها : المدلّس من الدَلَس بالتحريك ، وهو اختلاط الظلام ، سمّي بذلك لاشتراكهما في الخفاء ؛ فإنّه ما أُخفي عيبه إمّا في الإسناد بأن يروي عمّن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه على وجه يوهم أنّه سمعه منه .