63
الرواشح السماوية

النبيّ ، والقائم بالأمر مقامه ، كما النفس خليفة العقل ، والقلب خليفة النفس ، والدماغ خليفة القلب ، والنخاع خليفة الدماغ ، والرئيس والمَلِك سلطانهما على الظاهر فقط ، والعالم المعلّم سلطانه على الباطن فقط ، والنبيّ سلطانه على الظاهر والباطن جميعاً ، وكذلك وصيّه الذي يقوم مقامه .
فكما القلب أشرف الأعضاء ورئيسها في البدن وخليفته الدماغ ، فكذلك النبيّ صلى الله عليه و آلهكالقلب في العالم وخليفته كالدماغ . وكما من الدماغ تفيض وتنبثّ الأرواح السارية والقوى المدركة على المشاعر والأعضاء ، وعلى جميع جوانب البدن وأطرافه ، فكذلك قوّة البيان والتعليم إنّما تفيض عنه صلى الله عليه و آله بواسطة خليفته ووصيّه على جميع أهل العالم ، وهو صاحب التأويل ، وخازن الوحي ، وحافظ الدين ، وحامل عرش الحكمة ، وعيبة علم الحقيقة ، ونور اللّه في ظلمات الأرض .
فأمّا مرتبة الحكمة والعرفان فلها عرض عريض ، فأقصى درجاتها أعلى مراتب النبوّة ، وأوسطها الوصاية والخلافة ، وأدناها أن تكون النفس غيرَ قويّة الجوهر بحيث تستطيع أن تجمع بين معاينة عالم الغيب ، ومشاهدة عالم الشهادة معاً ، بل إنّما قصارى قدسها وبهائها وصقالتها وصفائها أن تقوى على رفض البدن ، ونَضْوِ الجلباب الجسداني ، وفكِّ عُقَد حبائل الطبيعة ، والانصرافِ إلى عالم القدس والبهاء ، والاتّصال بالجواهر المشرقة العقليّة ، ومطالعة صور علومها ، والاستضاءة من إشراقات أنوارها ، فالإنسان لايعدّ من الحكماء مالم تحصل له ملكة خلع البدن ، حتّى يصير البدن بالنسبة إليه كقميص يلبسه تارة ويخلعه أُخرى .
وبالجملة : أفضل الناس من استجمع أُصول الأخلاق والملكات ، التي هي رؤوس الفضائل العمليّة وينابيعها ، واستكملت نفسُه بقوّته النظريّة عقلاً مستفاداً بالفعل ، فصارت عالماً عقليّاً مضاهياً لعوالم الوجود ، كأنّها وحدها ونظامَ الوجود وعالمَ التقرّر جملةً نسختان مطابقتان غيرُ مختلفتي الأرقام زيادةً ونقيصةً .
وأفضل هؤلاء المستعدُّ في جوهر نفسه وقواه النفسانيّةِ لمرتبة النبوّة ، ثُمّ مَن


الرواشح السماوية
62

المعقولات والمطلوبات أو أكثرها في أسرع وقت وأقصره ، من دون تخريجِ مخرِّجٍ ، وتعليم معلّم ، بل بفضل من اللّه وتأييد من رحمته .
وثانيتها : أن يشتدّ لسرّه الاعتلاقُ والاتّصال بذلك العالم ، فيسمع كلام اللّه ، ويتشبّح له ملائكة اللّه ، وقد تمثّلت له على صورة يراها بإذن اللّه سبحانه ، فيحدث له في سماعه صوت من قِبَل اللّه تعالى وروحِ القدس والملائكة ، فيسمعه من غير أن يكون ذلك كلاماً إنسانيّاً ، وقولاً بشريّاً ، وصوتاً من حيوان أرضي ، بل هو إيحاء وتنزيل من لدن عزيز عليم به ، صاحبُ الوحي والتنزيل ، ذو معجزة قوليّة كريمة ، وآيات علميّة حِكْميّة .
وثالثتها : أن تكون نفسه المقدّسة الربّانيّة ـ لقوّتها القدسيّة ـ قويّةً بهيّة فعّالة ، كادت تكون متصرّفةً في العوالم الأُسطقسّيّة ، تصرُّفَ النفوس في أبدانها ، فتكاد هيولى عالم العناصر تطيعه بإذن اللّه تعالى ، فيكون بذلك ذا معجزات فعليّة ، وأفاعيلَ خارجةٍ عن طور العادة ، خارقةٍ لضوابط مذهب الطبيعة .
ثمّ مرتبة الوراثة والوصاية تجري في كمال جوهر النفس ، واشتعال قوّتها القدسيّة ، وشدّة اعتلاقها واتّصالها ، وتأكّد علاقتها بذلك العالم مَجرى مرتبةِ النبوّة ، وتستنّ بسنّتها ، وتتلو درجتَها ، وتنوب عنها منابَها ، إلاّ أنّها ليست بمثابة تصحّح للوصيّ تشبّحَ الملائكة ، وتُمثِّل روحَ القدس له على صورة يراها ويعاينها ، حتّى يكون يتصحّح له من ذلك سماع كلام اللّه تعالى بالوحي والإيحاء ، على أن يكون هو الموحى إليه من دون توسيط الرسول ، بل إنّما الأوصياء والأئمّة بعقولهم محدَّثون مفهَّمون ـ على البناء للمفعول من التحديث والتفهيم ـ فربما يسمعون الصوت ولكنّهم لايعاينون شخصاً متشبّحاً .
وسيستبين لك في كتاب الحجّة ـ إن شاء اللّه العزيز ـ بابُ الفرق بين الرسول والنبيّ والمحدَّث ، وهم الوارثون معادنَ العلم ، وولاةُ الأمر ، وشهداءُ اللّه ، وحججُه على خلقه ، وخلفاؤه في أرضه ، وأبوابه التي يؤتى منها من بعد النبيّ ، فالوصيّ خليفة

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدباقر حسین استرآبادی، تحقیق: نعمت الله جلیلی، غلامحسین قیصریه ها
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2250
صفحه از 360
پرینت  ارسال به