النبيّ ، والقائم بالأمر مقامه ، كما النفس خليفة العقل ، والقلب خليفة النفس ، والدماغ خليفة القلب ، والنخاع خليفة الدماغ ، والرئيس والمَلِك سلطانهما على الظاهر فقط ، والعالم المعلّم سلطانه على الباطن فقط ، والنبيّ سلطانه على الظاهر والباطن جميعاً ، وكذلك وصيّه الذي يقوم مقامه .
فكما القلب أشرف الأعضاء ورئيسها في البدن وخليفته الدماغ ، فكذلك النبيّ صلى الله عليه و آلهكالقلب في العالم وخليفته كالدماغ . وكما من الدماغ تفيض وتنبثّ الأرواح السارية والقوى المدركة على المشاعر والأعضاء ، وعلى جميع جوانب البدن وأطرافه ، فكذلك قوّة البيان والتعليم إنّما تفيض عنه صلى الله عليه و آله بواسطة خليفته ووصيّه على جميع أهل العالم ، وهو صاحب التأويل ، وخازن الوحي ، وحافظ الدين ، وحامل عرش الحكمة ، وعيبة علم الحقيقة ، ونور اللّه في ظلمات الأرض .
فأمّا مرتبة الحكمة والعرفان فلها عرض عريض ، فأقصى درجاتها أعلى مراتب النبوّة ، وأوسطها الوصاية والخلافة ، وأدناها أن تكون النفس غيرَ قويّة الجوهر بحيث تستطيع أن تجمع بين معاينة عالم الغيب ، ومشاهدة عالم الشهادة معاً ، بل إنّما قصارى قدسها وبهائها وصقالتها وصفائها أن تقوى على رفض البدن ، ونَضْوِ الجلباب الجسداني ، وفكِّ عُقَد حبائل الطبيعة ، والانصرافِ إلى عالم القدس والبهاء ، والاتّصال بالجواهر المشرقة العقليّة ، ومطالعة صور علومها ، والاستضاءة من إشراقات أنوارها ، فالإنسان لايعدّ من الحكماء مالم تحصل له ملكة خلع البدن ، حتّى يصير البدن بالنسبة إليه كقميص يلبسه تارة ويخلعه أُخرى .
وبالجملة : أفضل الناس من استجمع أُصول الأخلاق والملكات ، التي هي رؤوس الفضائل العمليّة وينابيعها ، واستكملت نفسُه بقوّته النظريّة عقلاً مستفاداً بالفعل ، فصارت عالماً عقليّاً مضاهياً لعوالم الوجود ، كأنّها وحدها ونظامَ الوجود وعالمَ التقرّر جملةً نسختان مطابقتان غيرُ مختلفتي الأرقام زيادةً ونقيصةً .
وأفضل هؤلاء المستعدُّ في جوهر نفسه وقواه النفسانيّةِ لمرتبة النبوّة ، ثُمّ مَن