وفي أُمّ قرى الحواسّ ، والسيرِ في رياض عالم القدس ، واستيطان بُطنان ۱ عرش التعقّل معا ، فيكون جوهر الروح العاقل حين تدبير دار الجسد ، والتعلّقِ الطبيعي بأرض الهيولى أكيدَ العلاقة جدّا بقَطَنَة ۲ عالم الأمر ، شديدَ الاتّصال بروح القدس ، المعبّر عنه في لسان حكمة ما فوق الطبيعة بالعقل الفعّال ، وواهبِ الصور بإذن ربّه ؛ ومن هناك يستوجب النبيّ أن يكون في جوهر نفسه العاقلة ذا خصائص ثلاثٍ ألبتّة :
أُولاها : الاستغناء عن مُؤَن الاقتناص والتعلّم ؛ لكونه مؤيَّدَ النفس بشدّة الصفاء وشدّة الاتّصال بالمبادئ العقليّة إلى أن يشتعل حدسا وقبولاً من روح القدس في كلّ شيء ، فينعقدَ في ذهنه القياسُ بلا معلّم ، وتكونَ علومه وتعقّلاته حدسيّاتٍ ، فتنطبعَ فيه الصور التي في العقل الفعّال ، ويحصلَ له مايمكن أن يحصل لنوعه من العلوم بحسب الكمّ دفعةً ، أو قريباً من دفعة بحسب الكيف ، لا ارتساماً تقليديّا ، بل انطباعاً من سبيل العقل المضاعف ، بترتيبٍ مشتمل على الحدود الوسطى ؛ فإنّ التقليديّاتِ ۳ في أُولات أسباب إنّما تُعرف بأسبابها ، لاتكون عقليّةً يقينيّة ، فهذا ضرب من النبوّة بل أعلى قوى النبوّة ، ويسمّى عقلاً قدسيّاً وقوّةً قدسيّة ، وهي أعلى مراتب القوى الإنسانيّة في جانب الكمال .
وفي مقابلتها في جانب النقصان مَن لاحدس له منتهياً إلى عُدم الحدس وفقد الاتّقاد ۴ رأساً ، كما مقابله ينتهي في طرف الزيادة إلى الحدس والاشتعال في كلّ
1.في حاشية «أ» و «ب» : «البطنان : هو الغامض من الأرض ، وبطنان الجنّة : وسطها» . كما في لسان العرب ۱۳ : ۵۵ ، (ب . ط . ن) .
2.في حاشية «أ» و «ب» : «قطن بالمكان أي أقام به فهو قاطن ، والجمع : قطّان وقاطنة وقطنة» . كما في القاموس المحيط ۴ : ۲۶۰ ؛ ولسان العرب ۱۳ : ۳۴۳ ، (ق . ط . ن) .
3.في حاشية «ب» : «أي التقليديّات ـ التي لها أسباب في الواقع، وتُعرف بها إذا أُخذت من جهة الأسباب ، بل من حيث إنّها تقليديّة ـ لاتكون عقليّة يقينيّة، نعم إذا عُرفت بأسبابها تكون يقينيّة». فقوله : «لا تكون عقليّة يقينيّة» خبرثانٍ والخبر ألاوّل هو قوله : «إنّما تعرف».
4.في «أ» : «الاتّعاد» بدل «الاتّقاد» .