أجزائه بالأسر ، ولا يعقل للجملة المفروضة ۱ ـ لاعتبار الجمليّة والهيئةِ المجموعيّة ـ صدورٌ إلاّ بصدور الأجزاء بالأسر ، من دون صدورٍ آخَرَ مستأنفٍ وراء ذلك ، وأفضل المجعولات أقربُ في المرتبة من الجاعل المبدع ، فلا محالة كان أكرمُ المبدعات من أجزاء النظام هو المتعيّنَ بأن يكون الصادرَ الأوّل في مرتبة الصدور من غير توسّطِ أمر من الأُمور ، وعلّةٍ من العلل أصلاً ، فضلاً عن المادّة .
ومن لايستطيع سبيلاً إلى تعرّف الحقيقة ، يتوهّم أنّ المراد بهذه العلّة المَنفيّةِ العلّةُ المادّيّة ، ولا يَشعر أنّ المستعمل ب «اللام» أو «الباء» لايكون إلاّ العلّةَ الفاعليّة وما مِن حزبها ، والعلّةَ الغائيّة وما في سبيلها . وأمّا المادّة والعلّة المادّيّة والاُسطقسّيّة ، فإنّما يسند الشيء إليها ب «من» أو «عن» .
ثمّ ليعلم أنّ الشيء الحادث الكيانيَّ الذاتِ وإن كان هو مسبوقَ الوجود لا محالة بالمادّة مسبوقيّةً بالزمان ، إلاّ أنّ ذلك ليس إلاّ بقياس أحدهما إلى الآخَر بحسب نفسهما ، لا بالقياس إلى ذات الصانع الحقّ جلّ سلطانه ، حتّى يكون المادّة متوسّطةً بالزمان بين ذاته سبحانه وبين ذي المادّة ، وذو المادّة أشدُّ تأخّرا في الوجود من المادّة بالنسبة إليه سبحانه وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا ؛ ولعلّك سوف تتحقّق ذلك بما نتلوه على سمعك من ذي قَبَلٍ ۲ إن شاء اللّه العزيز .
قوله : (خلق ما شاء كيف شاء) .
لمّا نفى الغايةَ عن فعله ، تُوهِّم أنّه ليس فاعلاً بالاختيار ، فأزاح ذلك بأنّه يفعل الأشياء كما شاء ، فيكون بمشيّته ـ أي بإرادته ـ يفعل الخلق ، لكن مشيّته كقدرته ليست غيرَ ذاته ؛ ليلزم أن يكون لغيره تأثير في فعله ؛ فإنّ من فعل فعله بإرادة زائدة على ذاته ، كان محتاجا في قدرته وإرادته إلى مرجّح زائد عليه يرجّح أحد طرفي