33
الرواشح السماوية

قولهُ : ( الذي لابدء لأوّليّته ، ولا غاية لأزليّته ) .
لارتفاعه عن الأزمنة والزمانيّات ، كارتفاعه عن الأمكنة والمكانيّات ؛ وحيث لم يكن مكانيّا كانت نسبته إلى الأمكنة واحدةً ، وحيث لايكون زمانيّا تكون نسبته إلى الأزمنة واحدةً ، فتسوَّى عنده البدءُ والغاية ، والأوّل والنهاية ، فأوّله أبد ، وأبَدُه أزل بحسب الزمان ، كما علوّه دنوّ ، ودنوّه علوّ بحسب المكان ، فهو الأوّل والآخر .
قولهُ : (القائم قبل الأشياء ، والدائمِ الذي به قوامها) .
يعني أنّه تعالى قائم بذاته لابغيره ؛ لأنّه واجب الوجُود ، ولو قام وجُوده بغيره ، لكان ممكنا مفتقرا إلى الغير ، وهذه القبليّة قبليّة بالذات .
قولهُ : (القاهرِ الذي لايؤوده حفظها) .
أي لايُثقله ولايشقّ عليه حفظ الأشياء ، يقال : آده يؤُوده : إذا أثقله ، ۱ وفي إيراد صفة القهر هنا إشارة إلى الدليل على كونه ممّا لايُتعبُه ولايَكلّه حفظ الأشياء ؛ لأنّ إيجاده وإدامته لها على سبيل الرشح والفيض ، لا على وجه الاستكمال كما في غيره من الفاعلين ؛ إذ ما من فاعل غيره إلاّ ويفعل لغرض زائد على ذاته ، ويستكمل في فاعليَّته بذلك الغرض الذي يعود إليه وينفعل منه ، والانفعال يلزم التعب والكلال .
قوله : (تفرّد بالملكوت ، وتوحّد بالجبروت) .
«الملكوت» فَعَلوت من الملك ، كما الرَغَبوت من الرغبة ، والرَهَبوت من الرهبة ، والرَحَموت من الرحمة ، والجبروت من الجبر والقهر ، ومنه الحديث : «سبحان ذي الجبروت» ۲ و«الملكوتُ» من صِيغ التكثير ، وأبنية المبالغة . ومنه يقال له : ۳ ملكوتُ العراق .
وأمّا «مَلْكُوَةٌ» ـ بتسكين «اللاّم» بين «الميم» المفتوحة «والكاف» المضمومة قبل

1.لسان العرب ۳ : ۷۵ ، (أ .و .د) .

2.بحار الأنوار : ج ۸۳ ، ص ۱۱ ، و ص ۸۴ : «سبحان ذي العزّة والجبروت» .

3.أي للسلطان .


الرواشح السماوية
32

بعض ، كما يقال : السبب أعلى من المسبّب .
إذا عرفتْ ذلك فنقُول : يستحيل أن يكون بالمعنى الثاني ؛ لتنزّهه عن الكمالات الخياليّة التي يصدق لها العلوّ الخيالي ؛ إذ هي كمالات إضافيّة تتغيّر وتتبدّل بحسب الأشخاص والأوقات ، وقد تكون كمالاتٍ عند بعض الناس ونقصاناتٍ عند آخَرين ، كدول الدنيا بالنسبة إلى العالم الزاهد ، ويتطرّق إليه الزيادة والنقصان ، ولاشيء من كمال الأوّل الواجب سبحانه ـ لتنزّهه عن النقصان والتغيير ـ بوجهٍ مّا ، فبقي أن يكون علوّه علوّا عقليّا مطلقا ، يعني أنّه لارتبة فوق رتبته ، بل جميع المراتب العقليّة منحطّة عنه .
«ودنا فتعالى»
قد أورد الجامع المؤلّف ـ قدّس سرّه الشريف ـ «الدنوّ» مقابلاً ل «العلوّ» المستلزمِ للبُعد ، وكما علمت أنّ العلوّ يقال على المعاني الثلاثة المذكورة بحسب الاشتراك ، فكذلك ل «الدنوّ» يقال : ثلاثة معان مقابلةً لها .
فيقال : مكانُ فلانٍ دنيّ من مكان فلان إذا كان أسفلَ منه .
ويقال : رتبة المُلك الفلاني أدونُ من رتبة السلطان الفلاني ، إذا كان في مرتبةٍ أقلَّ منه ، ورتبةُ المعلول أدنى من رتبة علّته .
ويقال على معنىً رابعٍ ، فيقال : فلان أدنى إلى فلان وأقربُ إليه إذا كان خِصِّيصا به مطّلعا على أحواله أكثرَ من غيره .
والبارئ تعالى منزّه عن أن يراد بدنوّه أحدُ المفهومات الثلاثة الأوَل ، بل المراد هو المفهوم الرابع ، فَقُرْبه في دُنُوِّه إذن بحسب علمه الذي لايعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ، ولا في السماء ، ولا أصغرَ من ذلك ، ولا أكبرَ . ۱ ف «تعالى» ردّ الأحكام الوهميّة بأنّ ما قرب منها فقد ساواها في أمكنتها ، فيقال : قُرْبه ليس منافيا لبُعدِه عن مخلوقاته ؛ لاجتماع العلوّ والدنوّ في شيء واحد بهذا المعنى .

1.مأخوذ من الآية الشريفة . سبأ (۳۴) : ۳ .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدباقر حسین استرآبادی، تحقیق: نعمت الله جلیلی، غلامحسین قیصریه ها
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2322
صفحه از 360
پرینت  ارسال به