وعن بعض العلماء : «التدليس أخو الكذب» . ۱ ويعنى به هذا القسم ؛ لما فيه من إيهام اتّصال السند مع كونه مقطوعاً ، قلّما يستجيزه الثقة الثَبَت بخلاف الأمر في القسم الثاني ؛ إذ الشيخ مع ذلك التدليس به ، إمّا أن يُعرف ، فيعلم مايلزمه من ثقة أو ضعف ، أولا ، فيصير الحديث به مجهولَ السند ، فيُردّ عند من يقول باشتراط ثبوت العدالة في قبول الرواية كالعلاّمة في النهاية . ۲ وهو قول الشافعي من العامّة . ۳
ومَن ۴ يقول : مقتضى الآية ۵ كون الفسق مانعاً من قبول ، فإذا جهل حال الراوي المعلوم العين والمذهب لايصحّ الحكم عليه بالفسق ، فلايجب التثبّت عند إخباره ؛ قضيّةً لمفهوم الشرط ، وكونُ عدم الفسق شرطاً ممنوع ؛ بل المانع ظهوره ، فلايجب تحصيل العلم بانتفائه حيث يجهل يذهب إلى قبول الرواية ؛ لأصالة عدم الفسق في المسلم ، وأصالة الصحّة في قوله وفعله .
وهذا مذهب شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي رحمه اللّه تعالى في بعض آرائه ، فإنّه كثيراً مّا يقبل خبر من ليس بثابت العدالة ، ولابمعلوم الفضل والجلالة ، ولايبيّن سببٌ . وإليه جنح بعض المتأخّرين في شرح بداية الدراية . ۶ وبه قال أبو حنيفة محتَجّاً بمثل ما ذكر ، وبقبول قوله في : تذكية اللحم ، وطهارة الماء ، ورقّ الجارية .
وقال المحقّق نجم الملّة والدين رحمه اللّه تعالى في كتابه في الأُصول :
عدالة الراوي شرط في العمل بخبره .
وقال الشيخ : يكفي كونه متحرّزاً عن الكذب في الرواية وإن كان فاسقاً بجوارحه ،
1.قال في مقدّمة ابن الصلاح : ۶۰ : «فروينا عن الشافعي الإمام عنه أنّه قال : التدليس أخو الكذب» . وحكاه عن شعبةَ ابنُ الحجّاج الخطيب البغدادي في الكفاية : ۳۵۵ .
2.نهاية علاّمة لا يوجد لدينا .
3.راجع مقدّمة ابن الصلاح : ۶۰ ؛ الخلاصة في أُصول الحديث : ۷۲ .
4.مبتدأ وخبره قوله : «يذهب» .
5.الحجرات(۴۹) : ۶ . «يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبا?فتبيّنوا . . .»
6.شرح البداية : ۵۵ .