وبالجملة : تعبير الثقة عمّن روى عنه ب «بعض أصحابنا» أو «بعض الثقات» أو «بعض الصادقين» أو شيء من أشباه ذلك لاينسحب عليه حكم الإرسال أصلاً .
وما قاله بعضهم : إنّه لابدّ من تعيينه وتسمِيَته لينظر في أمره هل أطبق القوم على تعديله ، أو تعارض كلامهم فيه ، أو سكتوا عن ذكره ؛ لجواز كونه ثقة عنده مجروحا عند غيره ممّا لايستند إلى أصل أصلاً . وأصالةُ عدم الجرح مع ثبوت التزكية بشهادة الثقة المزكّي تكفي في دفاع الاستضرار بذلك الاحتمال ، فليُتقَن .
وممّا يجب أن يعلم ، ولايجوز أن يُذهَل عنه : أنّ مَشْيَخة المشايخ الذين هم كالأساطين والأركان أمرهم أجلّ من الاحتياج إلى تزكية مزكٍّ ، وتوثيق موثّق . ولقد كنّا أثبتنا ذلك فيما قد أسلفناه بما لامزيد عليه .
ومن هناك قال بعض شهداء المتأخّرين في شرح بداية الدراية :
تعرف العدالة المعتبرة في الراوي بتنصيص عدلين عليها ، وبالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل أو غيرهم من أهل العلم ، كمشايخنا السالفين ، من عهد الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني ، وما بعده إلى زماننا هذا ، لايحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص على تزكية ، ولابيّنةٍ على عدالة ؛ لما اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم ، زيادةً على العدالة .
وإنّما يتوقّف على التزكية غير هؤلاء [من الرواة الذين لم يشتهروا بذلك ، ككثير ممّن سبق علي هؤلاء ] ۱ وهم طرق الأحاديث المدوّنة في الكتب غالبا . وفي الاكتفاء بتزكية الواحد العدل في الراوي قول مشهورلنا ولمخالفينا كما يكتفى به ـ أي بالواحد ـ في أصل الرواية .
وهذه التزكية فرع الرواية ، فكما لايعتبر العدد في الأصل فكذا في الفرع . ۲ انتهى كلامه .