الراشحة السابعة عشر
[ في آداب النجاشي في النقل ]
إنّ الشيخ أبا العبّاس النجاشي قد عُلم من دَيْدنه الذي هو عليها في كتابه ، وعُهد من سيرته التي قد التزمها فيه أنّه إذا كان لمن يذكره من الرجال رواية عن أحدهم عليهم السلام ، فإنّه يورد ذلك في ترجمته ، أو في ترجمة رجل آخَرَ غيرِه ، إمّا من طريق الحكم به ، أو على سبيل النقل عن قائل ؛ فمهما أهمل القول فيه فذلك آيةُ أنّ الرجل عنده من طبقة مَن لم يرو عنهم عليهم السلام .
وكذلك كلّ من فيه مَطعن وغميزة ، فإنّه يلتزم إيراد ذلك ألبتّة إمّا في ترجمته ، أو في ترجمة غيره ، فمهما لم يورد ذلك مطلقاً ، واقتصر على مجرّد ترجمة الرجل وذِكْرِه من دون إرداف ذلك بمدح أو ذمّ أصلاً ، كان ذلك آيةَ أنّ الرجل سالم عنده عن كلّ مَغمز ومَطعن ؛ فالشيخ تقيّ الدين بن داود حيث إنّه يعلم هذا الاصطلاح فكلّما رأى ترجمة رجل في كتاب النجاشي خاليةً عن نسبته إليهم عليهم السلامبالرواية عن أحد منهم ، أورده في كتابه ، وقال : «لم» «جش» . وكلّما رأى ذكر رجل في كتاب النجاشي مجرّداً عن إيراد غمز فيه ، أورده في قسم الممدوحين من كتابه ، مقتصراً على ذكره ، أو قائلاً : «جش» ممدوح .
والقاصرون عن تعرّف الأساليب والاصطلاحات كلّما رأوا ذلك في كتابه اعترضوا عليه : أنّ النجاشي لم يقل : «لم» ولم يأت بمدح أو ذمّ ، بل ذكر الرجل وسكت عن الزائد عن أصل ذكره .
فإذن قد استبان لك أنّ من يذكره النجاشي من غير ذمّ ومدح يكون سليماً عنده عن الطعن في مذهبه ، وعن القدح في روايته ، فيكون بحسب ذلك طريق الحديث من جِهته قويّاً لاحسناً ولاموثّقاً . وكذلك من اقتصر الحسن بن داود على مجرّد ذكره في قسم الممدوحين من غير مدح وقدح يكون الطريق بحسبه قويّاً .