35
الرواشح السماوية

والمعنى ، أنّ حكمته تعالى اقتضت إظهار الحجج على الخلائق ببعثة الأنبياء ، ونصبِ الأوصياء عليهم السلام ؛ ليكمل الخلقة ، ويتمّ النعمة ؛ إذ بدون ذلك لايتمشّى النظام ، ويقع الهَرْج والمَرْج كما بيِّن في موضعه .
قوْلهُ : ( اخترع الأشياء إنشاءً ، وابتدعها ابتداءً بقدرته وحكمته ) .
«الاختراع» و«الابتداع» لفظان متقاربان في المعنى ، وهو إيجاد الشيء لاعن أصل ، ولا عن مثل . ومن أسمائه «البديع» ، و هو فعيل بمعنى المُفِعل ، كالأليم بمعنى المؤلم . والمراد أنّه تعالى أوجد الأشياء بنفس قدرته لا عن مادّة ، وبمحض حكمته ، لالغرض ؛ إذ لو أوجدها بواسطة أصل وعنصر ، لافتقر في فاعليّته إلى سبب آخَرَ منه الأصل ، فلم يكن مبتدعا ؛ لأنّ الغرض والعلّة الغائيّة ما يجعل الفاعل فاعلاً ، فالأوّل إشارة إلى نفي العلّة المادّيّة عن فعله ، والثاني إلى نفي العلّة الغائيّة عنه .
قولهُ : ( لامن شيء فيبطلَ الاختراع ، ولا لعلّة فلايصحَّ الابتداع ) .
هذا من مقتبساته ـ رحمه اللّه تعالى ـ ممّا قد تواتر تكرّر أنواره في مشكاة الحكمة ، ومصباح البلاغة أعني كلام مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام في خطبه وحِكَمه ، وكلماتِ سادتنا الطاهرين عليهم السلام في أحاديثهم وأدعيتهم .
فاعلمن أنّ «الابتداع» في عرف العلوم اللسانيّة : إخراج الشيء من العدم إلى الوجود بديعا ، أي متخصّصا ممتازا بنوع حكمة فيه .
«والاختراع» : رعاية تأنُّقٍ وتعمّل في إخراجه من العدم ، مأخوذ من «الخرع» بمعنى الشقّ ، وإذا استعمل بالنسبة إليه سبحانه ما يدلّ على تكلّف وطلب ، ريِمَ به ما يلزمه من كمال الصنع وجَوْدة المصنوع ؛ لأنّه ـ تعالى عزّه ـ متعالٍ عن التروّي والاعتمال .
وجعل بعضهم «الإبداع» و«الاختراع» الإخراجَ لا على مثال ، إلاّ أنّ «الاختراع» يناسب القدرة ، «والإبداعَ» يناسب الحكمة .
وأمّا في اصطلاح العلوم الحقيقيّة، ولسان علماء الحقيقة ، فتارةً يقال : «الإبداع»:


الرواشح السماوية
34

«الواو» المفتوحة ـ مثال التَرْقُوَة ، فهو المُلك والعزّ .
ومنه يقال : له ملكوة العراق ، فهو مليك أي مُلكه وعزّه .
وعالم الملكوت ـ كعالم الأمر ، وعالم الغيب ، وعالم النور ، وعالم الحمد ـ اسم لعوالم العقليّات والقدسيّات ، أعني المجرّدات والمفارقات بأسرها ، كما عالم المُلك ـ كعالم الخلق ، وعالم الشهادة ، وعالم الظلمات ـ اسم لعوالم الحسّيّات والوضعيّات بجملتها أعني الجسمانيّات والهيولائيّات بقَضّها وقضيضها ، ۱ ومنها : «سبحان ذي الملك والملكوت ، له الخلق والأمر ، عالِم الغيب والشهادة ، جَعَل الظلمات والنور ، له المُلك ، وله الحمدُ» .
قولهُ : (وبحكمته أظهر حُججه على خلقه) .
الحكيم : المحكِم في خلق الأشياء . والإحكام : هو الإتقان [في ]التدبير وحسن التصوير والتقدير .
والحكيم : الذي لا يفعل قبيحا ولا يُخلّ بواجب ، والذي يضع الأشياء مواضعَها .
والحكيم أيضا : العالم ؛ لاشتقاقه من الحُكم بمعنى التصديق ، أو من الحكمة .
والحكمة لغةً : العلم ، ومنه قوله تعالى : « يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ » . ۲ وعن ابن عبّاس : «الحكيم : الذي كمل في حكمته ، والعليم : الذي كمل في علْمه» ۳
والحجج جمع الحجّة ، وهي في اللغة أوّلاً بمعنى القصد ، ومنه : المحجّة ، جادّة الطريق ، ثمّ غُلب على قصد الكعبة للنسك . والحُجّة أيضا بمعنى الغلبة فحَجَّه أي غلبه ، ثمّ استعْملت بمعنى الرسُول والإمام ؛ لأنّ ذواتِهم أدلاّءُ على الحقّ ، فيكُونون حججا على الخلق .

1.بقضّها وقضيضها : يعني جميعها ، وفي الحديث : «يؤتى بالدنيا بقضّها وقضيضها» أي بكلّ ما فيها . راجع النهاية في غريب الحديث والأثر ۴ : ۷۶ ، (ق .ض .ض) .

2.البقرة (۲) : ۲۶۹ .

3.مصباح الكفعمي : ۳۲۵ ، الفصل ۳۲ .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدباقر حسین استرآبادی، تحقیق: نعمت الله جلیلی، غلامحسین قیصریه ها
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2253
صفحه از 360
پرینت  ارسال به