229
الرواشح السماوية

«واتيتُ» من المُواتاة الموافقة وحسن المطاوعة . وأصله الهمز فخفّف وكثر حتّى صار يقال بالواو الخالصة وليس بالوجه .
و«جلّيت» على البناء للمجهول ، وأصله جُلِّلت من جَلَّلَه كذا أي ألبسه إيّاه وغطّاه به ، وجعله محوطا محفوفا كما يتجلّل الرجل بالثوب ، فاُبدلت إحدى اللامين ياءً كما قد قيل : تَظَنِّي وتمطّي في تَظَنُّن وتمطُّط .
ولقد تاه بعض الناس في تحقيق هذه اللفظة فذهب حيث شاء .
ومنها : في أحاديث المتعة عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، وعن ابن عبّاس ، وعن عمران بن الحُصَيْن :
ما كانت المتعة إلاّ رحمةً رحم اللّه بها امّة محمّد صلى الله عليه و سلم ، أتانا بها كتاب اللّه وأمرنا بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لولا نهى عنها ذلك الرجل ما زنى إلاّ شفيً ۱
بالمعجمة والفاء أي إلاّ قليل من الناس ، من قولهم : غابت الشمس إلاّ شفىً ، أي إلاّ قليلاً من ضوئها عند غروبها .
وقال الأزهري : قوله : «إلاّ شفا» ۲ أي إلاّ أن يُشْفِيَ يعني يُشرفَ على الزنا ولا يواقعه ، فأقام الاسم ـ وهو «الشَفا» ـ مُقامَ المصدر الحقيقي وهو «الإشفاء» على الشيء ، وحرفُ كلّ شيء شَفاه .
فبعض بني هذا الزمان صحّف الفاء بالقاف وشدّد الياء على فعيل من الشَقاوة .
ومنها : في الحديث : «في الرِقَة رُبْع العشر» . ۳ وفي كلام الفقهاء : «نصاب الرِقِينِ مأتان» .
«الرقة» : الوَرِق ـ بكسر الراء فيهما وبالتسكين أيضا في الورق ـ وهو المضروب المسكوك من الفضّة . وجمع «رِقَة» رِقُون ، كماجمع عِضة عِضون ، وجمع سَنَة

1.رواه عن ابن عبّاس تهذيب اللغة ۱۱ : ۴۲۴ ، (ش . ف . ى) .

2.تهذيب اللغة ۱۱ : ۴۲۴ ، (ش . ف . ى) .

3.صحيح البخاري ۲ : ۵۲۷ ، ح ۱۳۸۶ ، الباب ۳۷ ؛ سنن أبي داود ۲ : ۲۲۳ ـ ۲۲۴ ، ح ۱۵۶۷ ، الباب ۴ .


الرواشح السماوية
228

وإمّا بالكاف بمعنى التمصمص بالمهملتين ، ومعناه الاغتسال من الدَنَس للتنظّف والتطهّر ، كغسل الجمعة وسائر الأغسال المسنونة لِلنظافة لا لرفع الحدث ،وأصله من مَصْمَصَ إناءه : إذا غسله وجعل فيه الماء وحرّكه للتنظيف .
وفي الحديث : «القتل في سبيل اللّه مُمْصِمصةٌ» . ۱ أي مطهّرة من دنس الخطايا ، افتعالاً من السوك . واستياك الشيء وتسويكه : دَلْكه وتحريكه ، وتساوكت الإبل : إذا اضطربت أعناقها من الهزال ، فهي تتمايل من ضعفها ، وجاءت الإبل ما تَساوَكُ ۲ هزالاً أي ما تتحرّك رؤوسها . فهذا سبيل التحصيل في تحقيق هذه اللفظة وتفسيرها .
وإنّ جماهير المتكلّفين القاصرين من بني زمننا هذا تجشّموا تكلّفا متوعّرا جدّا فأخذوها من السواك ، وذلك معروف كالتسوّك ، يقال : استاك وتسوَّك : إذا ساك فاه بالمسواك . ثمّ جعلوا الاستياك هذا بمعنى التمضمض ـ بالمعجمتين ـ أي المضمضة في الوضوء لمناسبة السواك ؛ إذ كما السواك من مسنونات الوضوء ، فكذلك المضمضة والاستنشاق من مسنوناته . ولعمري إنّ هذه أُعجوبة من الأعاجيب ، فأين الثَكْلى على واحدتها حتّى تضحك منها وتلتهيَ بذلك عن فجيعة رزيّتها؟
ومنها أُوردت في كتاب شرح التقدمة روايةَ عبد اللّه بن مسعود قال النبيّ صلى الله عليه و سلم :
يا ابن مسعود إنّه قد نزلت عليَّ آيةُ «وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَـلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ۳ » . وأنا مستودعكها ومُسَمٍّ لك خاصّةً الظَلَمَةَ ، فكن لما أقول لك واعيا ، وعنّي له مؤدّيا ، من ظلم عليّا مجلسي هذا ، كان كمن جحد نبوَّتي ونبوّة من كان قبلي .
قال له الراوي : يا أبا عبدالرحن! أسَمعتَ هذا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟قال : نعم ، قال ، قلت : كيف واتَيْتَ الظالمين؟ قال : لاجرم جُلِّيتُ عقوبة عملي وذلك أنّي لم استأذن إمامي كما استأذنه جندب وعمّار وسلمان ، وأنا أستغفر اللّه وأتوب إليه .

1.النهاية في غريب الحديث والأثر ۴ : ۳۳۷ ، (م . ص . م . ص) .

2.أي : تتساوك.

3.الأنفال(۸) : ۲۵ .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدباقر حسین استرآبادی، تحقیق: نعمت الله جلیلی، غلامحسین قیصریه ها
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2343
صفحه از 360
پرینت  ارسال به