تذييلات
الأوّل : [ الإشكال على الأخذ بتوثيقات أهل الرجال ]
إنّه يتطرّق على الأخذ بتوثيقات أهل الرجال وجَرْحهم إشكال مشهور ، وهو : أنّ مذهبَ النجاشي ـ مثلاً ـ من علماء الرجال في العدالة غيرُ معلوم لنا ، فكيف يصحّ لنا الأخذ بالجرح والتعديل منه بدون ذكر السبب ، فربّما يأتي بالتعديل والجرح بما لا نراه موجبا للجرح والتعديل .
بل الشيخ يكتفي في نفس العدالة بظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق ۱ لو لم يكن اكتفاؤه به في باب الكاشف عن العدالة ، فكيف يتأتّى التعويل ۲ على التعديل منه بمن يقول باعتبار الملَكَة في العدالة كما هو المشهور ۳ .
بل الجرح والتعديل من النجاشي ونحوه مأخوذٌ من كلام القدماء ، كابن نوح ، وابن عقدة ، ونصر بن الصباح وغيرهم ، ونحن لا نعرف مذهبهم أيضا بالفحوى ، مع أ نّه قد أخذ الفقهاء بأسرهم ۴ بالجرح والتعديل من النجاشي والشيخ والكشّي
1.الخلاف ۱ : ۲۲۹ ، كتاب الشهادات ؛ وانظر غنائم الأيّام ۲ : ۳۶ .
2.في «ح» : «التأويل» .
3.كالمحقّق الثاني في جامع المقاصد ۲ : ۳۷۲ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ۲۸۹ .
4.قوله : «بأسرهم» أي بجميعهم ، واستعمال الأسر في الجميع في أمثال المقام شائع في الكلمات ، والأسر كان مسار مصدر أسر كضرب ، وهو الشدّ كما في القاموس . وظاهر الصحاح أ نّه الشدّ بالقِدّ وضعا ، لكن استعمل بمعنى القِدّ حيث إنّه سكت عن معناه رأسا ، وأحاله على معنى فعله وهو الشدّ بالقد ، ثمّ قال : وهذا الشيء لك بأسره ، أي بقده ، أي بجميعه . وربّما فسّر الخطابي في تعليقاته على الشرح المختصر على التلخيص بالقدّ الذي يشدّ به الأسير . وفيه نظر . وفسّره في المجمع بالجميع ، وليس بشيء . ولعلّ التعريض إليه المقصود بما قاله السيّد السند شارح الصحيفة السجادية في شرح دعاء مولانا السيّد السجاد زين العباد ـ عليه آلاف تحية ربّ العباد ـ في دعاء يوم الفطر : إنّ تفسير مَنْ فسّر الأسر بالجميع غير جيّد ، والأسير ـ كما في الصحاح والمجمع ـ الأخيذ ، أخذا من الأسار ، والأسار هو القدّ . ومنه قول السيّد السجّاد ـ عليه آلاف الثناء من ربّ العبادـ : «فأصبح طليق عفوك وأسار سخطك وعتيق صنعك من وثاق عدلك» وكانوا يشدّون الأخيذ بالأسار ، فسمّي كلّ أخيذ أسيرا ، ومَنْ لم يشدّ به . والظاهر أنّ استعمال الأسر في الجميع بمناسبة أنّ الأسير إذا ذهب بأسره فذهب بجميعه . ومن هذا القبيل ما يقال : برمّته ، وهي بالضم والتشديد كما في المجمع ، وبالكسر كما في القاموس ، وأصله ـ كما في الصحاح ـ أنّ رجلاً دفع إلى رجل بعيرا بحبْلٍ في عنقه ، فقيل ذلك لكلّ مَنْ دفع شيئا بجملته ، بل نقول : إنّ المتتبّع في الكلمات يجد استعماله في كلّ شيء بجميعه ، وأكثر استعماله في كلماته في حواشي المغني (منه عفي عنه) .