13
الرّسائل الرّجاليّه

الفكر وتعميق النظر بعد محن أصل التحصيل ـ على طغياء عمياء يشيب فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه». وقد بالغ في الوصف بعد ذلك .
وبالجملة استمرّ تحصيله عند هذا السيّد الممجّد مع تحمّل الشدائد التي لا تتحمّل، ولكنّه تحمّلها كما تحمّل نظائرها حتّى ظفر بالمراتب العلمية واستقلّ بالتصنيف، وشرع في كتاب البشارات الذي لم يُرَ نظيره، وقد أنهاه في ثلاثة مجلّدات ولم يبلغ الأربعين من عمره.
وكان بناؤه في التصنيف هي طريقة المحقّقين، وهي قلّة التصنيف مع كثرة التحقيق، كما ينقل عن صاحب المدارك وصاحب المعالم.
وبالجملة فقد كان يقول : «كنت أتأمّل في بعض المطالب أيّاما من غير أن أكتب شيئا،وقد تأمّلت شهرين فيكتابة ورقتين منالبشارات». ولذا صارت تصانيفه فائقة على غيرها،حاوية لمطالب مختصّة بها مع طول الذيل المبني على التصرّفات الدقيقة والتأمّلات الرشيقة والتتبّعات الوافرة، يذكر المقدّمات قبل الخوض فيها، والتنبيهات بعد الخوض فيها لكي لا يغادر مجهولاً أو مبهما أو مجملاً.

كثرة تفكّره واهتمامه :

كان أبو المعالي دائبا مفكّرا في المطالب العلمية حتّى عند الاشتغال بالأكل أو حتى في الحمّام، وكثيرا ما كان يأمر وَلَده بكتابة عبارة من موضع مطالعته، سواء من عبارات نفسه أو سائر العلماء ويستصبحها في الحمّام، ويظل يفكّر فيها. وربما كتب في هذا الحال ما يخطر بباله الشريف، فقد يرى في بعض مسوّداته آثار الحناء.
قال في آخر الرسالة التي ألّفها في لفظة «ثقة» وغيرها : «كنت متشاغلاً بالتفكّر في حال المشي حتى في الليالي، وكذا حين كلام الغير معي، بل كنت كلّما تيقّظت من النوم أتوجّه إلى الفكر بمجرّد التيقّظ، بل كنت كلّما انقلبت في النوم من شقّ إلى شقّ أتوجّه إلى الفكر».
ومن جراء ذلك ابتلي بضعف القلب المفرط، وكان يعود عليه هذا المرض


الرّسائل الرّجاليّه
12

المعظم من سنة ۱۲۴۷. ه . ق، على ما كتبه بخطّه الشريف على ظهر كتاب الكشّاف.

نشوؤه ومعاناته:

ربّاه العالم الربّاني السيّد الممجّد الشهشهاني قدس سره، وهو من تلاميذ والده الشيخ محمّد إبراهيم الكلباسي . وكان عنده حتّى بلغ إلى حدّ الاشتغال، وتمكّن من تحصيل الكمال، فاشتغل بتعليمه حتّى توفّي والده العلاّمة ولم يكمل له خمس عشرة سنة، ورأى حينئذ شدائد الأمور، ومن جملتها الابتلاء بضيق المعيشة.
واشتغل حينها على السيّد الجليل السيّد حسن المدرّس وكان يصف حسن أخلاقه ورشاقة مذاقه من كثرة التأمّل، وأنّه كان يأمر بكثرة الفكر في المسائل والتدقيق، وأنّه سمع نصيحته في ذلك فابتلى بضعف القلب و وحشة في البال على وجه لا يوصف بالمقال.
قال في خاتمة البشارات يصف تلك الحال : «ولو وصفت لك انقطاع أسباب التحصيل عنّي واختلال أمري في أزمنة التحصيل، وبلغت في الوصف ما بلغت ، لكاف الموصوف به أزيد وأشدّ بمراتب شتّى، وقد أغمضت العين عمّا انتقل [إليّ] من الوالد الماجد من جهة الاشتغال بالتحصيل إلى أن درج درج الرياح، لكن اللّه سبحانه قد تفضّل وتصدّق عليّ من فضله وكرمه بعد ذلك سعة في المعيشة بأسباب خارقة للعادة».
بل كان يصف ابتلاء المحقّق القمّي ـ كما ذكره في مقدّمة كتاب الغنائم ويقول : «إنّه أقلّ من ابتلائه، وكان مع كلّ ذلك صبورا يتوسّل لرفع حاجاته بما يتوسّل به الصالحون، كما أنّه قد صام زمانا في الصيف ستّة أشهر رجاء رفع الفقر الذي هو أمرّ من الصبر؛ نظرا إلى قوله سبحانه و تعالى : «وَ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَ الصَّلَوةِ» ۱ والصبر مفسّر بالصوم».
وقال في آخر الرسالة : «وقد صبرت في محن هذه الدار دار النار ـ ومنها محنة

1.البقرة (۲) : ۴۵.

  • نام منبع :
    الرّسائل الرّجاليّه
    سایر پدیدآورندگان :
    ابوالمعالى محمد بن محمد ابراهیم کلباسى، تحقیق: محمد حسین درایتى
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7046
صفحه از 484
پرینت  ارسال به