125
الرّسائل الرّجاليّه

النفس ۱ بأخبارهم . والظاهر أنّ المنشأ أنّ الكذبَ قبيحٌ في أنظار الناس وموجبٌ لانتهاك العِرْض ، وهم ـ ولا سيّما أرباب الاحتشام منهم ـ يتجنّبون غاية التجنّب عمّا يُوجب النقصَ في دنياهم ؛ ولذا يتجنّبون عن الكذب ، بخلاف الغيبة ، فإنّه لا قبح فيها عندهم ؛ لكونها من باب الصدق ، ولذا ربّما يعتذر المغتاب عن ارتكابها بارتكاب الصدق ، بل كثيرٌ من الناس يرتكبُ بعضَ المعاصي ويتركُ بعضا آخر من المعاصي ؛ بل مَنْ يرتكبُ جميعَ المعاصي نادرٌ أو منعدمٌ ؛ فلا منافاةَ بين الفسْق والوثوقِ بالحديث ، بل لا منافاة بين ارتكاب معصيةٍ ولو مع الإصرار وترك معصيةٍ اُخرى بالكلّيّة .
ومَنْ تأمّلَ في أحوال الناس يجد أنّ كثيرا منهم صاحب ملكة الاجتناب عن بعض المعاصي مع ارتكاب بعضٍ آخَر ولو كان متعدّدا وحتّى مع الإصرار ؛ بل ربّما يُسْتَبْعَدُ الكذبُ من بعض مَنْ يأتي بالفسق الفظيع كالزنا واللواط من أرباب الاحتشام وتطمئنّ النفس بخبره ، بل مَنْ يأتي بالفسق الفظيع من غير أرباب الاحتشام يحصل الظنّ بخبره وتطمئنّ النفسُ به .
وأمّا الثاني : فلأنّ غايةَ الأمر في دعوى الظهور أن يقال : إنّ الغالبَ فيمن يتحرّز عن الكذب العدالةُ ، فيحمل المشكوك فيه على الغالب .
وهو مدفوعٌ بأ نّه لو لم يكن الغالب فيمن يتحرّز عن الكذبِ الفسقَ فلا أقلّ
من المساواة ، ومع هذا يترجّحُ جانبُ المخبَرِ به بإخباره ، بل الغالب ـ بحيث يكون خلافه في كمال الندرة ـ أنّ الإخبارَ يُخْرِجُ طرفَ الُمخْبَرِ به عن حدّ التساوي مع الطرف الآخَر كما كان الإخبار يوجب رجحانا فيه ، بل الإخبار ولو ممّن يأتي بالفسق الفظيع من غير أرباب الاحتشام يوجب الرسوخ في النفس ، ويتعسّر زوال أثره ، كما يشاهد فيما لو أخبر عن شخصٍ بمذاكرة سوءٍ بالإضافة إلى شخصٍ

1.في «ح» : «الناس» .


الرّسائل الرّجاليّه
124

والحسين بن أبي سعيد ۱ ، والحسين بن أحمد بن المغيرة ۲
، وعليّ بن الحسن الطاطري ۳ ، وعمّار بن موسى ۴ وغيرهم .
فهل التوثيقُ المذكورُ مفيدٌ للعدالة ك «ثقة» فيكون الحديث باعتباره من باب الصحيح إنْ كانَ الراوي إماميّا ، ومن باب الموثّق إنْ كانَ الراوي غيرَ إمامي ؛ أو مفيدٌ للمدح ، فيكون الحديث باعتبارٍ من باب الحَسَن إنْ كان الراوي إماميّا ، ومن باب القويّ إن كان الراوي غير إمامي؟
عن المشهور القولُ بالأوّل ، ويظهر من بعض الأصحاب المصيرُ إليه ؛ نظرا إلى ظهور كون منشأ الوثاقة في الحديث هو العدالة ، بل ظاهرُ البعض الاتّفاق عليه ، وهو مقتضى ما في حاشية كتاب النجاشي عند ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري . والظاهر أنّ الحاشية بخطّ صاحب المعالم ، كما أنّ في ظهر الكتاب خطَّه وخاتَمه من كفاية شهادة القرائن مع تزكية النجاشي حيث إنّ
النجاشي قال: «ثقه في الحديث» ۵ . والمدارُ في التزكية على التعديل ، بلا محيصَ عن كون المقالة المذكورة مبنيّةً على دلالة «ثقة في الحديث» على العدالة .
والأظهرُ القولُ بالأخير ؛ نظرا إلى عدم استلزام الوثوق بالحديث للعدالة ، وعدم ظهوره فيها .
أمّا الأوّل : فلأنّ كثيرا من الناس يصدرُ منه الغيبةُ ولا يكذبون ، ويَطْمئنّ

1.رجال النجاشي : ۳۸ / ۷۸ . وفيه : «ثقة في حديثه» .

2.رجال النجاشي : ۸۶ / ۱۶۵ . وفيه : «ثقة فيما يرويه» ؛ خلاصة الأقوال : ۲۱۷ / ۱۱ .

3.رجال النجاشي : ۲۵۴ / ۶۶۷ . وفيه : «وكان فقيها ثقة في حديثه» .

4.رجال النجاشي : ۲۹۰ / ۷۷۹ . وفيه : «أبو الفضل ، مولى وإخوته قيس وصباح رووا عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهماالسلام ، وكانوا ثقات في الرواية» ؛ وفي التهذيب ۷ : ۱۰۱ بعد كلامٍ طويل قال : «ثقة في النقل» . وقال في الاستبصار ۱ : ۳۷۲ / ۱۴۱۳ : «ضعيف فاسد المذهب لا يعمل . . .» .

5.رجال النجاشي : ۳۴۸ / ۹۳۹ .

  • نام منبع :
    الرّسائل الرّجاليّه
    سایر پدیدآورندگان :
    ابوالمعالى محمد بن محمد ابراهیم کلباسى، تحقیق: محمد حسین درایتى
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6914
صفحه از 484
پرینت  ارسال به