87
الرّسائل الرّجاليّه

الإسلام مع عدم ظهور الفسق ، بل مجرّد حسن الظاهر أيضا ، بل لا يحصل إلاّ مع العلم أو الظنّ بالملَكَة المذكورة ؛ فقولهم : «فلان ثقة» لا يحتمل الاعِتماد فيه على ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق أو حُسْن الظاهر ، بل لابدّ أن يكون اعتمادهم فيه على ظهور الملَكة ، واختلافهم في عدد الكبائر ۱ غيرُ قادحٍ أيضا ، فإنّ الوثوق ۲ لا يحصل إلاّ بمَنْ كان له ملَكَة الاجتناب عن جميع الذنوب ؛ إذ مَنْ يصدر عنه الذنب ۳ ـ ولو كان صغيرةً ـ لا يحصل الوثوق به من كلّ وجهٍ ، فلا أقلّ من هذه الجهة .
فالحكم بتوثيق الرجل على الإطلاق لا يتمّ إلاّ بعد ظهورِ ثبوت ملَكَة اجتناب الكبائر ولو كانت ممّا اختُلف في كونها كبيرةً ؛ لأنّه إمّا أن يكون عند الرجل معصية أو لا ، فإن كان الأوّل فله ملَكَة الاجتناب عنه ، وإن كان الثاني فلا يضرّ فعله ؛ لكونه مباحا له وإن كان حراما في الواقع ، فيكون مرتكبا للمباح لا الحرام . ففعْل المعصية في الجملة وإن لا يضرّ بعدالة الرجل لكنّه يقدح في الوثوق به من كلّ وجه ، كما هو الظاهر من قولهم : «فلان ثقة» .
فيظهر من جميع ما ذُكِرَ أنّ الظاهرَ من توثيق علماء الرجال إرادةُ ما يلزم العدالة عند الكلّ ، ولو لم يكن لنا إلاّ اتّفاق الطائفة على قبول التعديل من أهل الرجال ولو كان بدون ذكر السبب،لكفانا في قبول قولهم مع عدم ذكره ؛ لكشفه عن إرادة ما اتّفقت عليه كلمتهم ؛ فلا إشكال أصلاً ولو على القول باعتبار ذكر السبب.

1.قوله : «واختلافهم في عدد الكبائر» إلى آخره ، هذا الكلام في دفع الإشكال من جهة الخلاف في عدد الكبائر ، لا التمسّك بالوثاقة من كلّ جهة على الإطلاق ، فهو لا يتمّ إلاّ بمداخلة المعنى اللغوي ، غاية الأمر أنّ التمسّك بإطلاق اللفظ الموضوع له . وبعبارة اُخرى : اللفظ الموضوع له عنه الإطلاق ، فهو ينافي القول بتجدّد الاصطلاح في «ثقة» . (منه عفي عنه) .

2.في «د» : «التوثيق» .

3.في «ح» : «الذنوب» .


الرّسائل الرّجاليّه
86

هذا المدح ويجعله عدالة .
وهذا من أعظم الشواهد على أ نّهم أرادوا بالعدالة المعنى الأعمّ ، فهُم لاحظوا الأطراف وأخذوا بمجامع النفع .
بل نقول ۱ : إنّ ما يظهر بالتتبّع أ نّهم لا يختلفون في أنّ العدالة هي المَلَكة التي تبعثُ على ملازَمة التقوى ، والمشهورُ صرّحوا باعتبار المروّة ۲ ولم يذكرْه بعضهم كشيخِنا المفيد ۳ وجماعةٍ أُخرى ، ونسبه في كنز العرفان إلى الفقهاء ۴
، فظاهرُهم إجماعُهم على اعتباره وليس بذلك البعيد ؛ لأنّ ما ذكره الساكتون عنه في معنى العدالة يلزمه غالبا ، فلعلّ سكوتَهم كان لذلك .
نعم ، جماعة من المتأخّرين صرّحوا بعدم اعتباره ۵ .
ولا يثمر خلافهم ثمرةً فيما نحن بصدده ، فإنّ الكلام في تعديل أهل الرجال ، والظاهر اعتبار المروّة عندهم .
سلّمنا عدم اعتباره ، لكنّ العدالة المعتبرة في قبول الرواية هي التي توجب الثقة والاعتماد ، ومَنْ لا مروّة له لا اعتماد عليه غالبا ، فإنّ عدمها في الأغلب إما لِخَبَلٍ وضَعْفِ عقلٍ أو لقّلةِ الحياءِ ، فإنّ مَنْ لا حياء له يصنع ما يشاء . وكفاك شاهدا في ذلك قولُ مَنْ قيل له: لِمَ تركت حديث فلان : رأيته يَركُضُ على برذون.
وأمّا اختلافهم في الكاشِف عن العدالة فلا يضرّ ذلك ؛ لما مرّ من أنّ العدالة
التي تعتبر هنا هي ما توجب الثقة والاعتماد ، ولا يحصل ذلك من مجرّد ظهور

1.قوله : «بل نقول» هذا الكلام في دفع الإشكال من جهة الخلاف في اعتبار المروّة في العدالة (منه عفي عنه) .

2.انظر غنائم الأيّام ۲ : ۳۲ .

3.انظر المقنعة : ۷۲۵ ، والسرائر ۱ : ۲۸۰ ، و ج ۲ : ۱۱۸ ، وانظر غنائم الأيّام ۲ : ۳۲ .

4.كنز العرفان ۲ : ۳۸۴ .

5.حكاه في غنائم الأيّام ۲ : ۳۸ .

  • نام منبع :
    الرّسائل الرّجاليّه
    سایر پدیدآورندگان :
    ابوالمعالى محمد بن محمد ابراهیم کلباسى، تحقیق: محمد حسین درایتى
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7015
صفحه از 484
پرینت  ارسال به