79
الرّسائل الرّجاليّه

وليس الأمر من باب عموم حذف المقتضي ؛ إذ الكلام فيه على ما حرّرناه في الاُصول في إخبار المتعدّد مع عدم إمكان إضمار العامّ ، والمُضْمَر في المقام من باب العامّ .

ويرشدُ إلى ذلك أيضا ما يقال في بعض التراجم : «إنّه كان على ظاهر العدالة والثقة» إذ الظاهر كون الأمر من باب الإرداف بالمرادف .
ويرشدُ إلى ذلك أيضا فهم المشهور حيث إنّ معظم الطائفة بَنَوا على الدلالة ؛ إذ يكتفى بها في اعتبار الخَبَر ، وهذا المُرشِد كاملٌ قويّ .
لكن يمكن أن يقال : إنّه ـ بعد الإغماض عن الاستقراء الكامل المتقدّم النادر اتّفاق مثله في الرجال وغيره ـ لا يثبت العدالة مع ما ذُكر ، بناءً على اعتبار المروّة في العدالة ؛ لصدق الوثاقة والاعتماد في الدين مع ارتكاب خلاف المروّة .
لكنّه يندفع بأنّ ارتكاب خلاف المروّة من الإنسان لا يتّفق إلاّ في نادر الأحيان ؛ لكونه موجبا تحفة ۱ عرضه ومنافيا لدنياه المنحصر فيها همّه وخياله ، فالظاهر ـ بظهورٍ قويّ ـ عدمُ ارتكاب خلاف المروّة ، فالأصل المروّة ، ويكفي في إحراز الأصل ، بخلاف التكاليف الشرعيّة ، فإنّ دَيْدَن الإنسان مستقرّ غالبا على مخالفتها إلاّ مَنْ عَصَمه اللّه ، وكأ نّه لا يستشعر بغير الدنيا ، ولا يدري ما سواها .
قال سيّد الأوصياء ـ عليه آلاف التحيّة والثناء ـ على ما في الديوان المنسوب إليه :

أَبُنَىَّ إنّ من الرجال بهيمةفي صورة الرجل السميع المبصر
فَطنٌ بكلّ رزيّة في مالهوإذا اُصيب بدينه لا يشعر ۲
كلام الإمام إمام الكلام ، ولعمري إنّ الرباعي المذكور في حواشي الإعجاز من

1.كذا في النسخ .

2.الديوان المنسوب لأمير المؤمنين عليه السلام : ۶۷ .


الرّسائل الرّجاليّه
78

حتّى صار من المَثَل .
ومن ذلك الاستدلالُ على اعتبار الملَكَة في العدالة بتضافرِ النصوصِ ۱ والفتاوى باعتبار الأعدليّة في مواردَ ، كتشاحّ الإمامَين ، وتعارض الشاهدَين ، واختلافِ الروايتَين ونحو ذلك ، وسيأتي مزيدُ الكلام .
وأمّا لو كانت العدالة هي المَلَكة ، فلابدّ من كون الغرض في المقام هو نفي زيادة المَلكة ، وهو بعيدٌ وخلافُ الظاهر وخلافُ المتعارَف في المحاورات ، فالمقصودُ بالوثاقة في المقام هو الاعتماد في النقل ، والغرض نفي زيادة الاعتماد في النقل ، والظاهر اتّحاد المقصود بالوثاقة في المقام وفي «ثقة» .
ويرشد إليه أيضا أ نّه قد يقال : «أوثق من أبيه أو أخيه» بل قد يقال : «أوثق الناس وأصدقهم لهجةً» كما سيأتي ؛ حيث إنّ العدالة لا تقبل التفاضل أو التوصيف بالتفاضل فيها بعيد ، كما يظهر ممّا سمعتَ آنفا ، فالمقصودُ الزيادة في الوثاقة في الإسناد ، ولا سيّما مع تعقّب الأوثق بالأصدق لهجةً . والظاهرُ اتّحادُ المقصود بالوثاقة في «الأوثق» و «ثقة» .

ويمكنُ أن يقال : إنّ المقصود ب «ثقة» وإن كان هو الاعتماد إلاّ أنّ الظاهر في المقام الاعتماد في جميع المراحل ، أي الاعتماد في الدين ، فتأتّى الدلالة على العدالة ولو بناءً على كون العدالة من باب المَلَكة ، بل تثبت العدالة على جميع الأقوال في معنى الكبيرة وعددها ، وكذا تتأتّى الدلالة على الضبط ؛ إذ لا وثوق بخبر غير الضابط وإن كانت هذه الدلالة غير محتاج إليها لكفاية أصالة الضبْط .

1.قوله «بتضافر النصوص» بالصاد المعجمة،قد ذكر الفاضل الخوانساري في تعليقات الروضة في كتاب البيع عند الكلام في جواز بيع المسك في فأره قال: إنّه تداول كتابة التضافر بالظاء المعجمة. والذي يظهر من كتب اللغة أ نّه بالضاد المعجمة، قال في الصحاح: وتضافروا على الشيء: تظاهروا عليه. انتهى. وفي المصباح: وتضافَرَ القوم: تعاونوا، وضافرته: عاونته. وفي المجمع: وتضافروا على الشيء: تعاونوا عليه، انتهى. وقد رأيت في خطّ مَنْ كان عارفا بأمثال ذلك الكتابةَ بالضاد (منه عفي عنه) .

  • نام منبع :
    الرّسائل الرّجاليّه
    سایر پدیدآورندگان :
    ابوالمعالى محمد بن محمد ابراهیم کلباسى، تحقیق: محمد حسین درایتى
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6808
صفحه از 484
پرینت  ارسال به