231
الرّسائل الرّجاليّه

يا كميل ، مات خزّانُ المالِ والعلماءُ باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ، آه آه إنّ هاهنا ـ وأشار بيده إلى صدره ـ لعلما جمّا ، لو أصبت له حملة ، بلى أصبت له لَقِنا غير مأمون ، يستعمل آلة الدين في الدنيا ، ويستظهر بحجج اللّه على خلقه وبنعَمه على عباده ، أو منقادا للحقّ لا بصيرة له في أحنائه ، ينقدح الشكّ في قلبه بأوّل عارض من شبهة ألا لا ذا ولا ذاك ، أو منهوما باللّذات سلس القياد للشهوات أومغرى بالجمع والإدّخار ليسا من رعاة الدين في شيء ، أقرب شبها بهما الأنعام السائمة ؛ كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة ، إمّا ظاهر مشهور أو مستتر مغمور ؛ لئلاّ تبطل حجج اللّه وبيّناته ، وكم ذا وأين؟ اُولئك واللّه الأقلّون عددا والأعظمون خطرا ، بهم يحفظ اللّه حججه وبيّناته حتّى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقائق الأُمور ، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها معلّقة بالمحل الأعلى ، اُولئك خلفاء اللّه في أرضه ، والدعاة إلى دينه ، آه آه شوقا إلى رؤيتهم ۱ .

وقد روى الطبرسي في الاحتجاج عن الرّضا عليه السلام أ نّه قال : قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام :
إذا رأيتم الرجلَ قد حسن سمته وهديه ، وتماوتَ في منطقه ، وتخاضَع في حركاته فرويدا لا يغرّنّكم ، فما أكثر مَنْ يُعْجِزه تناول الدنيا وركوب المحارم ۲ منها لِضَعْف نيّته ومهانته وجُبْن قلبه ، فنَصَبَ الدين فخّا لها ،

1.الخصال : ۱۸۶، ح ۲۵۷ ؛ كمال الدين : ۲۸۹ ، ح ۲ ، باب ۲۶ ؛ وانظر الأمالي للمفيد : ۲۴۷ ، ح ۳، المجلس ۲۹ .

2.في المصدر : «الحرام» .


الرّسائل الرّجاليّه
230

في المساكين وضعا ، فذاك في الدرك الثالث من النار ؛ ومن العلماء مَنْ يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين فإن ردّ عليه شيء من قوله أو قصر في شيء من أمره غَضب ، فذاك في الدرك الرابع من النار ، ومن العلماء مَنْ يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليعزّز به علمه ويكثر به حديثه ، فذاك في الدرك الخامس من النار ؛ ومن العلماء مَنْ يضع نفسه للفتيا ويقول : سلوني ، ولعلّه لا يصيبُ حرفا واحدا واللّه لا يحبّ المتكلّفين ، فذاك في الدرك السادس من النار ؛ ومن العلماء مَنْ لا يتّخذ علمه مروّة وعقلاً ، فذاك في الدرك السابع من النار ۱ .

وروى الصدوق نقلاً ۲ بسنده أيضا عن كميل بن زياد النخعي عن أمير المؤمنين عليه السلام أ نّه قال :
يا كميل إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، إحفظ عنّي ما أقول لك: الناس ثلاثة: عالم ربّاني،ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ۳ أتباع كلّ ناعق ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق .
ياكميل ، العلم خيرٌ من المال ، العلمُ يحرسُك وأنتَ تحرس المالَ ، والمال تنقصه النفقة والعلمُ يزكو على الإنفاق .
ياكميل ، [محبّة] ۴ العلم دين يدان اللّه ، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته ، وجميل الأُحدوثة بعد وفاته .

1.الخصال : ۳۵۲ ، ح ۳۳ ، ونقله عنه الفيض في المحجّة البيضاء ۱ : ۱۲۹ .

2.قوله : «وروى الصدوق نقلاً» أيضا قد شرح شيخنا البهائي أجزاء الخبر في الأربعين [ : ۴۲۳] في شرح الحديث السادس والثلاثين ، ورواه العلاّمة المجلسي في أوائل البحار بطرق متعدّدة وشرح أجزاءه أيضا ، وهو مذكور في نهج البلاغة (منه مدّ ظله العالي) .

3.الرعاع : كسحاب ، العوام والسفلة وأمثالهم ، الواحد رعاعة ومنه إنّ الموسم يجمع رعاع الناس . أي أسقاطهم وأخلاطهم . مجمع البحرين ۱ : ۱۹۴ .

4.الزيادة من المصدر .

  • نام منبع :
    الرّسائل الرّجاليّه
    سایر پدیدآورندگان :
    ابوالمعالى محمد بن محمد ابراهیم کلباسى، تحقیق: محمد حسین درایتى
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6670
صفحه از 484
پرینت  ارسال به