227
الرّسائل الرّجاليّه

والعاكفين ، وَوَلِّ وجهك شطر كعبة المقصود ، واجب الوجود وخالق الموجود ، وتوجَّه إلى وليّ الخير والجود ، واتّق اللّه حقّ تقاته ، فإنّه لا يناله إلاّ التقوى ، و «لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَ لاَ دِمَآؤُهَا وَ لَـكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ» ۱ ، و «لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْأَخِرِ» ۲ .

وكُنْ كثيرَ الذكر للّه سبحانه ، وقد بالَغَ سبحانه في تعظيم ذِكْره حتّى جَعَلَ التسمية في ذبح الهدي من ثمرات الحجّ ؛ فإنّ مقتضاه كلام العِظَم في ذِكْر اللّه سبحانه ولا تخدعنّك هذه الدار بزبرج غدّار ، فإنّ ما عندَ اللّه خيرٌ للأبرار ، «فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا وَ لاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ » ۳ فما متاع الحياة الدنيا إلاّ الغرور وما صفقتها إلاّ خاسرةٌ عندَ أربابِ الشعور ، وإنّما الآخرةُ هي التجارةُ التي لن تبورَ ، وليس قصرُ الطرف على دار العبور إلاّ من قصار القصور ، والركونُ إليها من الجنون ، بل الجنون فنون ، والركونُ إليها من أسوء فنونِ الجنون .
ولن تتيسّر لك القوّة القدسيّة إلاّ بكمال التقوى . كيف ، وهذه المرتبة مرتبة النيابة ، ولا تتيسّر لأرباب الشقاوة . فانظر أنّ النيابة تِلو الربوبيّة بتوسّط النبوّة والإمامة ، فصاحب هذه المرتبة لابدّ له من الكمالات النفسانيّة ما يوجب اللياقة للدرجة الثالثة من الدرجات المتعقّبة للربوبيّة .
وأنصفْ هل يكون السبع الجامع لجميع النقائص حريّا لمرتبة تلو الإمامة بلا واسطة ، وتلو الربوبيّة بواسطتين؟ كلاّ وحاشا . ولو أمكنَ جريان المعجزة على يد الكاذب لأمكن حصول تلك القوّة لغير القابل .
وربّما تَحَمَّل شدّةَ المحنةِ في طول المدّة مَنْ لم يتّفق له كمال التقوى ، فلم يتحصّل له تلك القوّة ، بخلاف بعض مَنْ لم يكن له استعداد تلك القوّة ، لكن

1.الحج (۲۲) : ۳۷ .

2.البقرة (۲) : ۱۷۷ .

3.فاطر (۳۵) : ۵ .


الرّسائل الرّجاليّه
226

هو من باب العدوّ ، كما هو مقتضى قوله سبحانه : «اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ » ۱ بناءً على كون الخطاب لآدم وحوّاء خطابا لذرّيتهما .
وكيف يسوغ توقّع الحبّ منه! وقد قال اللّه سبحانه : «إِنَّ مِنْ أَزْوَ جِكُمْ وَ أَوْلَـدِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ» ۲ وقضيّة التعرّض للممانعة المشار إليها بعد تلك الآية في قوله سبحانه : «إِنَّمَآ أَمْوَ لُكُمْ وَ أَوْلَـدُكُمْ فِتْنَةٌ» ۳ .
وكيف يسوغ توقّع الحبّ منه وهو عدوّ لنفسه قضيّة ما فيه من الأهواء المُهلكة الموجبة لرادئة حاله في الدنيا والآخرة ، كما هو مقتضى بعض الأخبار ، بل مضرّةُ عداوته أزيدُ من سفرة أعدائه بمراتب كثيرة ؛ حيث إنّ ما يتأتّى من مقدار تضييعه بفعله لا يتمكّن منه أعداؤه إلاّ بمقدّمات كثيرة ، بل ربّما لا يتمكّن من ذلك المقدار رأسا .
وأمّا عقله فغالب أفراده صرف الجنون ، وفي بعض الكلمات «أنّ عقل أربعين رجلاً يوازن عقل شاة» تعليلاً بأنّ الشاة ترتدع بردع الراوي ، والإنسانُ لا يرتدع برَوادِعِ اللّه سبحانه والأنبياء والأوصياء عليهم السلام، ولَعَمْري أنّ هذا الكلام بلغ سماء الكلام .
وبالجملة،مَنْ كان حاله في الطغيان على ما سمعت،فكيف يليق بوصول الفيض من جانبِ اللّه سبحانَهُ إليه ، وما أبعدَ طولُ مسافة المجاهدة التي تحتاج إليها في القابليّة للإفاضة ؛ فبالِغْ في المجاهدة وتهذيب الأخلاق ، وطَهِّرْ بيتَك للطائفين

1.البقرة (۲): ۳۶.

2. بناءً على كون «من» زائدةً ، ولعلّه الأظهر ، لا للتبعيض ، وليس المقصود هو المعانعة عن العبادة ونيل الأُجور الاُخرويّة قضيّة قوله سبحانه : «وَ إِن تَعْفُواْ وَ تَصْفَحُواْ وَ تَغْفِرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» . التغابن (۶۴) : ۱۴ .

3.التغابن (۶۴) : ۱۵ .

  • نام منبع :
    الرّسائل الرّجاليّه
    سایر پدیدآورندگان :
    ابوالمعالى محمد بن محمد ابراهیم کلباسى، تحقیق: محمد حسین درایتى
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6920
صفحه از 484
پرینت  ارسال به