نعم ، ربّما يكون الصدقُ في بعض الموارد حسنا لاستحقاق المدح ، كما لو كان شاقّا على النفس وموجبا لكسر القوّة الشهويّة أو القوّة الغضبيّة ، كما أنّ المواظبةَ على الصدق حَسَنٌ ومُوجِبٌ لاستحقاق المدح باعتبار حُسْن المواظبة على ترك القبيح ؛ أعني الكذب ومشقّة المواظبة على ترك الحرام . وإلاّ فالمواظبةُ على المباح لا تخرجُ عن الإباحة .
ومن ذلك مدح إبراهيم وإدريس ـ على نبيّنا وآله وعليهما السلام ـ من اللّه سبحانه في كتابه الكريم بالصدِّيق ۱ بناءً على كون المقصود بالصدِّيق كثير الصدق ، لا كثيرَ التصديق للحقّ من غيوب اللّه سبحانه وآياته وكتبه ورسُله .
وقد حرّرنا الكلام في الأُصول ، وكذا في بعض الفوائد المرسومة في ذيل الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن محمّد بن الحسن .
فقولهم : «ثقة في الحديث» يوجب حسن الحديث أو قوّته لو قلنا : إنّ المدار في الحسن والقوّة على اعتقاد المترجم ، لا المجتهد ، بناءً على خلوّ الصدْق عن الحُسْن . لكن لا يتأتّى اعتبار الخبر نظير ما لو ذكر في ترجمة الراوي «أنّ له كتابا» حيث إنّه يوجب حسن الخبر أو قوّته ؛ قضيّة عدم اختصاص المدح الموجب
للحُسن والقوّة بما يفيدُ الظنّ بالصدق ، لكن لا يتأتّى اعتبار الخبر .
ويمكن أن يقالَ : إنّ ذكْرَ كون الراوي صادقا في ترجمته يوجبُ الظنّ بالصدور وإنْ لم يكن من باب المدح ، فيكون الحديث معتبرا وإن لم يتّصف بالحُسْن والقوّة ، لكنّه يوجبُ مزيدَ قِسْمٍ سادس على الأقسام الخمسة المعروفة في هذه الأعصار .
بقي أ نّه قد ذُكِرَ في ترجمة الضحّاك أبي مالك الحضرمي «أ نّه كان متكلّما ثقة ثقة في الحديث» ۲ . والثاني إمّا تأكيد أو استئناف ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون الأوّل خبرا بعدَ خبرٍ ، أو من باب الاستئناف .