133
الرّسائل الرّجاليّه

نعم ، ربّما يكون الصدقُ في بعض الموارد حسنا لاستحقاق المدح ، كما لو كان شاقّا على النفس وموجبا لكسر القوّة الشهويّة أو القوّة الغضبيّة ، كما أنّ المواظبةَ على الصدق حَسَنٌ ومُوجِبٌ لاستحقاق المدح باعتبار حُسْن المواظبة على ترك القبيح ؛ أعني الكذب ومشقّة المواظبة على ترك الحرام . وإلاّ فالمواظبةُ على المباح لا تخرجُ عن الإباحة .
ومن ذلك مدح إبراهيم وإدريس ـ على نبيّنا وآله وعليهما السلام ـ من اللّه سبحانه في كتابه الكريم بالصدِّيق ۱ بناءً على كون المقصود بالصدِّيق كثير الصدق ، لا كثيرَ التصديق للحقّ من غيوب اللّه سبحانه وآياته وكتبه ورسُله .
وقد حرّرنا الكلام في الأُصول ، وكذا في بعض الفوائد المرسومة في ذيل الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن محمّد بن الحسن .
فقولهم : «ثقة في الحديث» يوجب حسن الحديث أو قوّته لو قلنا : إنّ المدار في الحسن والقوّة على اعتقاد المترجم ، لا المجتهد ، بناءً على خلوّ الصدْق عن الحُسْن . لكن لا يتأتّى اعتبار الخبر نظير ما لو ذكر في ترجمة الراوي «أنّ له كتابا» حيث إنّه يوجب حسن الخبر أو قوّته ؛ قضيّة عدم اختصاص المدح الموجب
للحُسن والقوّة بما يفيدُ الظنّ بالصدق ، لكن لا يتأتّى اعتبار الخبر .
ويمكن أن يقالَ : إنّ ذكْرَ كون الراوي صادقا في ترجمته يوجبُ الظنّ بالصدور وإنْ لم يكن من باب المدح ، فيكون الحديث معتبرا وإن لم يتّصف بالحُسْن والقوّة ، لكنّه يوجبُ مزيدَ قِسْمٍ سادس على الأقسام الخمسة المعروفة في هذه الأعصار .
بقي أ نّه قد ذُكِرَ في ترجمة الضحّاك أبي مالك الحضرمي «أ نّه كان متكلّما ثقة ثقة في الحديث» ۲ . والثاني إمّا تأكيد أو استئناف ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون الأوّل خبرا بعدَ خبرٍ ، أو من باب الاستئناف .

1. «وَاذْكُرْ فِى الْكِتَـبِ إِبْرَ هِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا » مريم (۱۹) : ۴۱ و «وَ اذْكُرْ فِى الْكِتَـبِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا » مريم (۱۹) : ۵۶ .

2.رجال النجاشي : ۲۰۵ / ۵۴۶ .


الرّسائل الرّجاليّه
132

[ في اصطلاح : «يصدق علينا» ]

وكذا الحال في «يَصْدُقُ علينا» كما نقله في الخلاصة في ترجمة عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام ۱ .
وبعد ما مرّ أقول : إنّه يمكن أن يقال : إنّ الوثاقةَ في الحديث وإن لم تكنْ مستلزمةً للعدالة ولم تكنْ ظاهرةً في العدالةِ بنفسها ولا بواسطة الغَلَبة لكنّ الظاهرَ من التوصيف بالوثاقه في الحديث وتدوينه في الكتاب كونُه بواسطه استئناس العدالة ولو بمذهب الراوي ، فالوثاقة في الحديث عنوانٌ للعدالة ورَشْحَةٌ من رَشَحاتها .
فعلى هذا تثبت العدالةُ ب «ثقة في الحديث» فضلاً عن «ثقة» بناءً على عدم دلالته على العدالة . وكذا الحال في «صادق» و «صدوق» وغيرهما ممّا مرّ .
وبوجهٍ آخَر : توصيفُ معلوم الفسق بالوثاقة في الحديث بعيدٌ ، والجهلُ بالحال من حيث الفسق والعدالة مع الاطّلاع على الوثاقة في الحديث بعيدٌ أيضا . فالظاهر أنّ التوصيفَ بالوثاقة في الحديث من جهة الاطّلاع على العدالة .
وبوجهٍ ثالث : الوثاقة في الحديث وإن لم تكن بنفسها ولا بواسطة الغَلَبة ظاهرةً في العدالة لكنّ الظاهر هنا أنّ الوثاقة من جهة العدالة .
ثمّ إنّ الصدق بنفسه خالٍ عن الحُسْن كالقبح ، ولا يقتضي استحقاقَ المدحِ ، كمالا يقتضي استحقاقَ الذمّ ، وإن كان الكذب قبيحا مقتضيا لاستحقاق الذمّ على ما يظهر في النظر ، وإن كان الظاهرُ انطباقَ أرباب الفنون على حُسْن الصدق ، كيف ! ولو كان غالب محاورات الشخص في اليوم والليل من باب الصدق لا مجال للقول باستحقاقه المدح الموفور ، ولا ملازمة بين قُبْح الكذب وحُسْن الصدق من جهة التضادّ ، كيف! والتضادّ غاية أمره اقتضاء خلوّ الصدق عن القبح ، ولا يستلزم التضادُّ اشتمال الصدق على الحُسْن ، كيف ! والمباحُ ضدٌّ للحرام كما أنّ الواجب ضدٌّ له . ولا تقتضي مضادّة الوجوب والحرمة انحصار الضدّ فيها .

1.خلاصة الأقوال : ۱۰۷ / ۲۵ .

  • نام منبع :
    الرّسائل الرّجاليّه
    سایر پدیدآورندگان :
    ابوالمعالى محمد بن محمد ابراهیم کلباسى، تحقیق: محمد حسین درایتى
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6783
صفحه از 484
پرینت  ارسال به