قال عليه السلام : ومشيئتين . [ ص۱۵۱ ح۴ ]
أقول : لاخفاء في أنّ المشيّة مشيّتان : مشيّة حتم ، وهو أن لا يكون لفعل العبد واختياره مدخل فيه كإرادة مرض العبد وصحّته ؛ ومشيّة عزم ، وهي أن يكون للعبد معها اختيار وعزم.
وهذه قسمان : أحدهما بالذات ، وثانيهما بالعرض ، والأوّل مشيّته تعالى الخيرات الصادرة عن العباد مثلاً ، وثانيهما بالعرض وهو مشيّته تعالى بما يصحب الموجودات من الشرور حيث إنّها بالذات للخيرات وبما يصحبها من الشرور بالعرض بمعنى أنّه لو لم يشأ الاُولى انتفت فيلزم انتفاء الخيرات .
قال الرئيس في رسالة « من عرف سرّ القدر » بهذه العبارة : إنّ الذي يقع في هذا العالم من الشرور في الظاهر فعلى أصل الحكيم ۱ ليس بمقصود من العالم ، وإنّما الخيرات هي المقصودة والشرور أعدام ، وعند أفلاطن أنّ الجميع مقصود ومراد . انتهى ۲ .
ومراده أنّه مقصود ولو كانت الشرور بالعرض . وهذا موافق لما وجّهنا الحديث به من أنّه لا يريد القبائح بالذات ويريد الطاعات والخير بالذات .
أما الأوّل ۳ ، فهي سبع آيات :
أحدها : قوله تعالى : « سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ ءَابَآؤُنَا » ثمّ قال : « كَذَ لِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ » ۴ .
وهي تدلّ على ذلك بأربعة وجوه :
أوّلها : أنّه تعالى حكى صريح مذهبهم ، ثمّ ردّ عليهم بقوله : « كَذَ لِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ » .