141
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

الباقي على الذهب الفاني » ۱ . كيف والأمر على العكس من ذلك ؟!

قال عليه السلام : تركوا فضول الدنيا . [ ص۱۸ ح۱۲ ]
أقول : اعلم أنّ اُمور الدنيا وشهواتها منقسمة إلى أقسام ثلاثة :
منها : ما لا يمكن التعيّش والبقاء بدونها ، وكأنّها ليست من الدنيا ؛ لأنّ العبد مكلّف بإتيانها وأنّها من الواجبات ، وهي لذّات لا تمنع عن النجاة من النار وعذاب الآخرة ، ولا عن أصل النعيم الاُخروي ، ولكن يمنع عن مزيد الكرامة وفضل النعمة وكمال القرب منه تعالى ، وهي المباحات الشرعيّة من اللذّات الحسّيّة .
ومنها : ما تؤثّر لذّتها في النفس بحيث تؤثّر في النفس لذّتها تأثيرَ الغشاوة والحجاب ، والعقاب يوم الحساب ، على اختلاف مراتبها وتفاوتها في شدّة اللذّة وضعفها وكبرها وصغرها ، وتفاوتها في استغراق النفس فيها ، فهذه هي المحرّمات الشرعيّة كبائرها وصغائرها ، وكلّها دون الكفر الذي هو الأعظم والوبال الأفخم « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ لِكَ لِمَن يَشَآءُ » ۲ .
فإذا تقرّر هذا ، فنقول : إنّ العاقل هو الذي ترك فضول الدنيا وإن كانت مباحةً ؛ لأنّها تمنع غاية التقدّس وكمال التقرّب ، فكيف بالذنوب التي هي ارتكاب المحرّمات المُورِثة لاستخفاف العقوبة والبُعْد عن المثوبة إلاّ أن يتفضّل اللّه بالمغفرة والرضوان والتجاوز عنها بالجود والإحسان . فقد بان أنّ ترك الدنيا رأساً من طلب الفضل والكمال ، وأنّ ترك المعاصي والمحرّمات من باب الغرض الذي تطلب به النجاةَ عن العذاب ، والعتق من النار .
فالأوّل يختصّ بالأحرار ليصيروا من الأخيار ، والثاني مشترك بين عامّة الناس ليصيروا عتقاء من النار غير مقيّدين بالسلاسل والأغلال ، إنّه وليّ الفضل والطَوْل في المبدأ والمآل .

1.محاسبة النفس للكفعمي ، ص۱۵۷ ؛ جامع السعادات ، ج۲ ، ص۲۶ ؛ تفسير القرطبي ، ج۲۰ ، ص۲۴ .

2.النساء (۴) : ۴۸ و۱۱۶ .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
140

قال عليه السلام : من العالم مقبول . [ ص۱۷ ح۱۲ ]
أقول : أي مؤثّر مختار في صفاء قلبه وارتفاع الحجاب عنه ، وكونه مضاعفاً يعني أنّ تأثيره في قلبه أضعاف تأثيره في قلب غيره ، وذلك لارتفاع غواشي الحجب عنه بممارسة العلوم والأفكار ، فإنّ كلّ مسألة يتحقّقها العالم فكأنّه تجلّى ويصقل ، فيصير كأنّه مرآة مجلوّة ، فإذا تكثّرت الأفكار ، وتلاحقت الأنظار ، وترادف المسائل والعلوم ، يبلغ القلب في إصفائه إلى حدّ لا يحتاج معه إلى كثير عمل، لكنّ الإنسان مادام في دار الغرور وبَلْقَعَة الكذب والزور فإنّه لا يستغني بالكلّيّة عن عمل وكسب لا لأجل إنشاء أصل التصقيل الذي قد فعل لكمال العمل العلمي الذي قد حصل ، بل للمحافظة عليه وحراسته عن الآفات ، وهي ممّا يكفيه القليل من العمل .
قال عليه السلام : والجهل مردود . [ ص۱۷ ح۱۲ ]
أقول : ذلك لعدم تأثير الأعمال والأفعال في تلطيف قلوبهم وإزالة الحجاب والغشاوة عن بصائرهم وأبصارهم وأسماعهم ؛ لأنّ قلوبهم قاسية ، ونفوسهم مكدّرة غير مصفّاة، وحجابهم غليظ ، وسرّهم سديد .
قال عليه السلام : « رَبِحَت تِّجَـرَتُهُمْ » ۱ . [ ص۱۷ ح۱۲ ]
أقول : منشأ ذلك ومبناه أنّ العاقل هو الذي يعلم فضيلة الحكمة وشرفها وبقاءها مع جوهر نفسه ، ويعرف خساسة الدنيا ودناءتها ونورها وفناءها وسرعة انتقال النفس عنها ، ويعلم أنّ الحكمة والدنيا لا تجتمعان في قلبٍ مّا ، وأنّ الدنيا والآخرة ضرّتان متضادّتان وهما ككفّتي ميزانٍ رجحانُ كلّ منهما يوجب مرجوحيّةٍ الاُخرى ، فسيروا إلى اللّه تعالى، وتاجروا في ترك الدنيا وشهواتها لأجل الحكمة تجارةً لن تبور حيث بدّلوا أمراً خسيساً فانياً بأمر شريف باقٍ .
وفي الخبر : « لو كانت الدنيا من ذهب والآخرة من خزف ، لاختار العاقل الخزف

1.البقرة (۲) : ۱۶ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6535
صفحه از 476
پرینت  ارسال به